الاضطرابات النفسية
Jan 2 2024
في يوم الحب الذي يحتفي به العشاق في كل أنحاء العالم، وينتظره كثيرون ليعبّروا عن مشاعرهم لشركائهم، دعونا نتحدث عن مناطق التقاطع بين الحب والاضطرابات النفسية في ظل ما نشاهد من حالات عيادية كثيرة تتأثر فيها العواطف بأعراض مرضية. لا يقتصر مفهومنا للحب فقط على العلاقات العاطفية بين الأزواج أو العشّاق، بل يتضمن كل العلاقات التي تتسم بمشاعر مودة ورغبة بالتقارب كالعلاقات الأسرية والصداقة. فإليكم تفاعلات الاضطرابات النفسية الشائعة مع الحب:
نبدأ بأكثر الاضطرابات شيوعا بين الناس والذي قد يأتي منفردا أو مصحوبا باضطرابات أخرى، ألا وهو الاكتئاب، والذي ينخفض فيه مزاج الفرد وطاقته وتقل اهتماماته ويصبح أقل استمتاعا بنشاطات كان قد شغف بها في السابق، فينطفئ الحب والشغف، ويظهر على المريض فتور في المشاعر تزامنا مع بقية الأعراض، فيظن الطرف الآخر أن الأمر شخصي وأنه لم يعد محط اهتمام ولا حب ذلك الشخص المكتئب غير منتبه أن ذلك هو أحد أعراض اضطراب الاكتئاب، وقد قابلت الكثير من الأبناء الذين يعتقدون أن أمهاتهم لا تحببنهم وأصل الحكاية أن تلك الأمهات كن مكتئبات.
غير بعيد عن الاكتئاب، ننتقل إلى اضطراب ثنائي القطب، والذي يكون الاكتئاب جزءا منه بدرجات متفاوتة، لكن القطب الأساسي فيه هوالنوبة الانبساطية أوحالة الهوس أو الزهو والذي تتزايد فيه الطاقة النفسية للمريض وتغمره الكثير من المشاعر ومن ضمنها الحب، وقد يتهور في التعبير عن هذه المشاعر فيتصرف بطريقة غير لائقة اجتماعيا، منجرفا بقوة الهوس ومشاعر العظمة وكثرة الكلام ويكون مغازلا جيدا في تلك الأثناء، وقد يتجرأ على معاكسة معالجته أو معلمته ويكسر الحدود المعتادة في العلاقات، وقد يشعر المريض بزيادة واضحة في الرغبة الجنسية والتي قد تفسر خطأ على أنها حب شديد وتعلق، لكن كل ذلك يكون لفترة محدودة يتبعها فتور سريع في المزاج وحرج وخجل مما شعر به أو أقدم عليه أثناء النوبة.
تتميز الشخصية الحدية بمشاكل جوهرية في العلاقات، فبعد أن يكون الشخص يعيش حالة تعلق شديد وغرام لامحدود، ينتقل بعد خطأ بسيط من الطرف الآخر أو ربما تقصير مفترض إلى ثورة غضب وتعبير عن الكراهية، فلا اعتدال في ردات الفعل ولا تقدير مناسب للخطأ والعطاء، بل المبالغة والتطرف هي سمة هذه الشخصية في كل ما يخص المشاعر والعلاقات، كما أن المصاب بهذا الاضطراب قد يبدو مستميتا لإرضاء الطرف الآخر ليس حبا به بل لأنه يخشى الهجران بشكل كبير، فيفسر شريكه ذلك أنه حب والتزام في العلاقة، إلى أن ينصدم بتصرفات تثبت أن هذا التعلق مرضي وغير مرتبط بحب بالضرورة. هذا، بالإضافة إلى حاجة المصابين باضطراب الشخصية الحدية إلى التطمين بشكل دائم والتأكيد على مشاعر الحب اتجاههم مما يشعر الطرف الآخر بالضجر والضيق أحيانا.
أما أولئك الساعون نحو المثالية ومنهم المصابون باضطراب الوسواس القهري والشخصية الوسواسية فيتشككون ويترددون في كثير من الأحيان بشأن علاقاتهم وترد على أذهانهم كثير من الأسئلة مثل:
وقد "يوسوس" صاحب هذه الشخصية أيضا بمثل هذه الأسئلة التشكيكية أيضا فيما يتعلق بمشاعر الشخص الأخر تجاهه. وقد رأيت في عيادتي بعض المقبلين علر الزواج والذين يحضرون قبيل الزواج بسبب القلق الشديد الذي ينتابهم بسبب هذا التشكك.
في بعض الاضطرابات التي تشمل ضلالات وأوهام، قد يصاب المريض بضلالات رومانسية بحيث يهيأ له أن شخصا آخر يحبه ويرسل له بعض الإيحاءات برغبته في الارتباط به أو حتى يسعى نحو علاقة جنسية معه وكل ذلك بطريقة سرية، كأن تعتقد إحداهن أن المذيع أو لاعب الفوتبول يظهر من أجلها وأنه يبتسم لها وينظر إليها بإعجاب أو أن استاذ الجامعة يقصدها هي بالذات بنكاته وضحكاته. هذه التهيؤات تصيب النساء بنسبة أكبرمن الرجال. ترتفع نسبة هذه الضلالات في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة والتي سهّلت الوصول إلى ومراقبة ومطاردة المشاهير الذين لم يكن الوصول لهم سهلا في السابق. إن الحب في حالتنا هذه هو محض خيال.
غالبا ما يتسم النرجسي بالافتقار إلى التعاطف، والشعور بالاستحقاق، والميل إلى استغلال الآخرين لتحقيق مكاسب شخصية، وتلك سمات تتنافى مع قيم الحب. قد يُظهر النرجسيون لشرائكهم الحب والتصرف بطرق ساحرة، لكن عادة ما يكون ذلك مشروطًا، حيث تعتمد عروض الحب على ما يمكن للشريك منحه له في المقابل. يميل أولئك إلى التعامل مع الشريك على أساس التهديد بالهجر سواء جسديا أو عاطفيا إن لم يتم تلبية احتياجاته. سرعان ما يتعس الشخص الذي يقع في حب النرجسي وتبدأ محاولات الفرار، بينما يحاول النرجسي احكام قبضته على من يغذي نرجسيته باستمرار.
إن من يعاني من الفصام قادر على الشعور بالحب، لكنه أقل قدرة على إظهاره والتعبير عنه. تكمن المشكلة في اعتقادهم الشائع أنه لا يمكنك أن تحبهم، كما أنهم غير قادرين على التعرف على الاحتياجات العاطفية للآخرين والاستجابة لها وقد يعانون من التبلد العاطفي أحيانا. قد لا يميل هؤلاء إلى إنشاء علاقات اجتماعية، حيث يواجهون صعوبة في التعبيرعن مشاعرهم، وعندما يفعلون فإن ذلك لا يحدث بعفوية مما يجعل من الصعب على الآخرين تفهم مشاعرهم وتقبلها. كما قد يتصف البعض منهم بانعدام الرغبة الجنسية، فيغيب الحافز لإنشاء علاقات حب وزواج. أشاهد في عملي العيادي الكثير من أفراد العائلة المتألمين بسبب التبلد العاطفي الذي يظهره المريض تجاههم، من الضروري مساعدة هؤلاء الأفراد حتى لا ينقطع حبهم للمريض.
تربطني علاقة مع مصاب بأحد الاضطرابات المذكورة سابقا، ماذا بإمكاني أن أفعل؟
نذكركم دوما أنه بإمكانكم التوجه إلى أخصائيي الصحة النفسية لمساعدتكم في المضي قدما في علاقاتكم مع من تحبون، لسد الثغرات وإصلاح ما يمكن إصلاحه.
0