جنون العظمة هو مصطلح نفسي يُستخدم لوصف اضطراب الشخصية الذي يتميز صاحبه بالإيمان المفرط أو الوهمي بقوته أو أهميته أو عظمته. غالبًا ما يكون لدى المصابين بجنون العظمة إحساس متضخّم بقيمة ذواتهم، وحاجة ملحّة لنيل الإعجاب والاهتمام، ونقص في التعاطف مع الغير. كذلك قد تكون عندهم أوهام عن عظمة إنجازاتهم أو قدراتهم غير عادية.
يمكن أن يتجلّى جنون العظمة بمختلف الطرق، من الرغبة المفرطة في السيطرة والهيمنة إلى الميل للمبالغة في الإنجازات أو المواهب وهو ضارّ لكل من يعاني منه ومن هم في محيطه. غالبًا ما يرتبط هذا المصطلح باضطراب الشخصية النرجسية، الذي يشترك معه في العديد من هذه الميزات.
باختصار، جنون العظمة هو حالة نفسية مُعقّدة، تستوجب تشخيصًا مهنيًا وعلاجًا من طرف متخصّصين في الصحة النفسية، قد يشمل العلاج النفسي أو الأدوية أو مزيجًا من الاثنين لمساعدة الأفراد على إدارة أعراضهم وتحسين صحتهم بشكل عام.
شخصيات جنون العظمة
لقد مرّت البشرية عبر التاريخ بكثيرٍ من الشخصيات التي جمعت بين الشهرة وجنون العظمة، وكان أغلبهم قادة حربيّين أو رجال سياسة على غرار جنكيز خان، أو نابليون بونابارت. لكن بالإمكان الآن مقابلة مصاب بجنون العظمة في أي مكان، وقد يكون أحد أصدقائك أو أفراد أسرتك. أدناه أكثر الخصائص النفسيّة شيوعًا للمصابين بجنون العظمة:
- تخيّلات العظمة: غالبًا ما ينغمس أصحاب جنون العظمة في تخيّلات مستمرّة عن مدى نجاحهم أو ثرواتهم أو سلطتهم أو شهرتهم، حتى لو لم يكن ذلك حالهم على أرض الواقع.
- المبالغة في تقدير الذات: لدى أصحاب جنون العظمة أفكار متضخّمة وغير منطقيّة عن مدى أهميتهم ويرون أنهم موهوبون أو أقوياء بشكل استثنائي. قد يعتقدون أنهم مقدّرون لأن بكونوا عظماء أو لديهم صفات خارقة تميّزهم عن البشر عامّة.
- الشعور بالأحقّية: يعتقد أصحاب جنون العظمة أنه يحق لهم الحصول على معاملة خاصة وامتيازات دون الحاجة إلى كسبها بفضل جهودهم أو إنجازاتهم.
- الافتقار إلى التعاطف: قد يجد أصحاب جنون العظمة صعوبة في التعاطف مع مشاعر الآخرين واحتياجاتهم، وقد يؤدّي تمركزهم حول ذواتهم إلى عدم مراعاتهم للآخرين.
- هشاشة احترام الذات: من المفارقة أنه تحت المظهر الخارجي الفخم، قد يكون لدى أصحاب جنون العظمة احترام هش لذواتهم، سرعان ما يهتزّ عند تلقّيهم النقد أو الإهانات حسب تصوّرهم.
من المهم ملاحظة أن جنون العظمة يمتدّ على نطاق واسع، وليس كل من يمتلك إحدى أو بعض من هذه السمات يستوفي معايير التشخيص الرسمي للصحة النفسية. يمكن لأخصائي الصحة النفسية تقديم تقييم وتشخيص أكثر دقة إذا استلزم الأمر، إضافة إلى إرشادات حول إدارة ومعالجة هذه السمات الشخصية إذا كانت تسبب الضيق أو الضعف.
هل جنون العظمة مرض نفسي؟
في معظم أنظمة التشخيص النفسي، مثل الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، لا يُصنّف جنون العظمة عادةً على أنه مرض نفسي منفصل، بل غالبًا ما يُعتبر أحد أعراض أو سمات بعض الاضطرابات النفسية، خاصّة منها اضطراب الشخصية النرجسية أو غيره من الاضطرابات التي تنطوي على تقدير الفرد العالي لنفسه.
يتضمن اضطراب الشخصية النرجسية، كما هو مُحدّد في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، سمات جنون العظمة، مثل الشعور المبالغ فيه بأهمية الذات وأوهام النجاح غير المحدود، أو القوة، أو الذكاء، أو الجمال.
لقد تم التعرّف على اضطراب الشخصية النرجسية باعتباره اضطرابًا نفسيًا، ويتلقى من يستوفون معايير التشخيص العلاج. لكن في جوهره، من الأفضل فهم جنون العظمة باعتباره جانبًا محددًا أو مظهرًا من مظاهر النرجسية، لا مرضًا نفسيًا مستقلاً بذاته.
ما الفرق بين جنون العظمة والنرجسية؟
جنون العظمة والنرجسية هما مفهومان نفسيان مرتبطان ولكنهما مختلفان:
النرجسية:
- النرجسية هي مصطلح واسع يشمل أنواعًا فرعية ودرجات مختلفة، تتراوح من الثقة الصحية بالنفس إلى اضطراب الشخصية النرجسية المرضية.
- النرجسية هي سمة شخصية أو اضطراب في الشخصية يتميز بالتركيز المفرط على الذات والإعجاب بالنفس والحاجة إلى الاهتمام المستمر والإعجاب من الآخرين.
جنون العظمة:
- جنون العظمة هو مجموعة فرعية محدّدة من النرجسية ويمكن اعتباره شكلاً أكثر تطرفًا منها.
- غالبًا ما يرتبط جنون العظمة بالرغبة القوية في السيطرة والهيمنة على الآخرين.
- يتضمّن جنون العظمة على وجه التحديد أوهامًا تتعلّق بالقوة أو الأهمية أو الثراء أو التفوق.
باختصار، في حين ينطوي كل من جنون العظمة والنرجسية على نظرة متضخّمة للذات ونقص في التعاطف، يتميّز جنون العظمة بالأوهام على وجه الخصوص، في حين تشمل النرجسية مجموعة أوسع من السمات والسلوكيات الأنانيّة.
وعليه، فيمكن النظر إلى جنون العظمة على أنه شكل متطرّف أو مرضي من النرجسية. ويمكن أن يكون لكلي الحالتين تأثير كبير على علاقات الفرد وأدائه العام.
الفرق بين جنون العظمة والبارانويا
جنون العظمة والبارانويا مفهومان نفسيان متميزان:
جنون العظمة:
- جنون العظمة هو سمة شخصية يتميز صاحبها بالإيمان المبالغ فيه بعظمته كما فُسّر أعلاه.
- يميل المصابون بجنون العظمة إلى الشعور المتضخّم بقيمة الذات وقد يبحثون عن الاهتمام والإعجاب والسيطرة على الآخرين.
- غالباً ما يرتبط جنون العظمة باضطراب الشخصية النرجسية وهو شكل من أشكال الأنانية المفرطة.
البارانويا:
- البارانويا، من ناحية أخرى، هي حالة نفسية تتميز بالمخاوف غير العقلانية، والشكوك، وعدم الثقة في الآخرين.
- تنطوي البارانويا على حالة عالية من اليقظة والشعور بالتعرض للتهديد أو الخطر.
- يمكن أن تكون البارانويا من ضمن أعراض حالات الصحة النفسية المختلفة، بما في ذلك اضطراب الشخصية المذعورة والفصام، وغيرها من الاضطرابات.
غالبًا ما يعتقد من يعانون من جنون العظمة أنهم يتعرضون للاضطهاد أو التجسّس أو الأذى من قبل الآخرين، ويأوّلون النقد البناء ومحاولة الغير لإصلاحهم على أنها تثبيط لهم وعرقلة لهم في طريقهم المتصوّر نحو العظمة، حتى في حالة عدم وجود دليل يدعم هذه المعتقدات.
يتمحور جنون العظمة في المقام الأول حول الصورة الذاتية المتضخّمة والمعتقدات الغير مدعومة للفرد عن مدى أهميته وتأثيره، في حين تنطوي البارانويا على مخاوف وشكوك غير عقلانية في الآخرين. في حين قد تجد كلي المفهومين لدى بعض الأفراد، وربما ساهم أحدهما في تفاقم حدة الآخر، فإنهما يختلفان من حيث الخصائص والأعراض.
باختصار، يرتكز جنون العظمة بشكل أكبر على تعظيم الذات، بينما تنبع البارانويا من مخاوف تتعلق بالتهديدات الخارجية أو الأذى من الآخرين، لكن ما يجمع بينهما أنهما يتمحوران حول أوهام لا أساس لها من الصحة ولا توجد إلا في دماغ صاحبها.
أعراض جنون العظمة
كما وضّحنا سابقاً، ليس جنون العظمة تشخيصًا نفسيًا رسميًا، بل هو عبارة عن مجموعة من سمات الشخصية والسلوكيات المرتبطة بإحساس مبالغ فيه بأهمية الذات والعظمة.
يُظهر الشخص المصاب بشخصية جنون العظمة مجموعة من السمات والسلوكيات المميّزة التي تنصبّ في شعوره البالغ بأهمية الذات والتفوّق والحاجة المستمرّة إلى التقدير والاهتمام، نذكر منها الأعراض أو الخصائص التالية:
- الحاجة إلى الإعجاب: يرغب أصحاب جنون العظمة في تلقّي الثناء من الآخرين على الدوام، وقد ينزعجون إذا لم يتلقوا الإعجاب الذي يعتقدون أنهم يستحقونه.
- البحث عن الاهتمام: قد تجد لدى أصحاب جنون العظمة نزعة قوية إلى أن يكونوا مركز الاهتمام ويبذلون جهودًا كبيرة للفت الانتباه وقد ينخرطون في سلوكيات درامية أو مبالغ فيها لتحقيق ذلك.
- السلوك الاستغلالي: قد يستغل أصحاب جنون العظمة الآخرين أو يتلاعبون بهم لتحقيق مكاسب خاصة بهم أو لتحقيق أهدافهم. وغالبًا ما يكون ذلك دون مراعاة لرفاهية من يستغلّونهم.
- الغطرسة والتعالي: قد يبدو أصحاب جنون العظمة متغطرسين أو متعجرفين أو متعاليين تجاه الآخرين، ويعتبرون أنفسهم متفوّقين وأكثر تميّزا دون سبب منطقي.
- التواصل المتلاعب: غالبًا ما يستعين أصحاب جنون العظمة بلغة متلاعبة للتحكّم في سير المحادثات والتفاعلات أو الهيمنة عليها.
- صدّ النقد: يميل أصحاب جنون العظمة إلى الاستجابة بشكل سيئ للنقد أو أي تحدّ لتصوراتهم عن أنفسهم، وغالبًا ما تكون استجابتهم بشكل دفاعي أو بغضب.
- توتّر العلاقات: قد يؤدي سلوك أصحاب جنون العظمة إلى توتّر علاقاتهم الشخصية والمهنية، إذ قد يواجهون صعوبة في الحفاظ على علاقات صحّية مع الآخرين في ظلّ غياب تعاطفهم وميلهم لاستغلال الغير والتحقير من شأنهم.
وتجدر ملاحظة أن جنون العظمة ليس تشخيصًا رسميًا في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسيّة، ولكنه يتشابه كثيرًا مع اضطراب الشخصية النرجسية. فإذا أظهر شخص ما هذه الأعراض إلى درجة تضعف أدائه بشكل كبير أو تسبب الضيق لنفسه أو للآخرين، فقد يحتاج إلى تقييم وعلاج من طرف موفّر رعاية صحّية مؤهّل.
أسباب جنون العظمة
يمكن أن يعود تطوير الفرد لجنون العظمة إلى العديد من الأسباب، على الرغم من أنه لا يمكن دائمًا تحديد سبب واحد، قد تلعب العديد من العوامل المساهمة دورًا مهمًا:
- تجارب الطفولة: يمكن أن تشكّل التجارب والتنشئة المبكرة سمات الشخصية وسلوكياتها. يمكن أن يساهم الثناء أو النقد المفرط خلال مرحلة الطفولة، أو الافتقار إلى الحدود الصحّية، أو التربية مفرطة الحزم أو الليونة، في تطوّر جنون العظمة.
- الصدمات: يمكن أن يساهم الماضي المؤلم، وخاصة منه التجارب المتعلقة بمشاعر العجز، في تطوير الفرد لجنون العظمة، وذلك في محاولة منه لاستعادة شعوره بالسيطرة.
- العوامل النفسية: يمكن أن تدفع المشاكل النفسية الأساسية، مثل تدنّي احترام الذات أو انعدام الأمن، الأفراد إلى التعويض عن طريق تبني جنون العظمة عن أنفسهم كآلية دفاع.
- آليات التكيّف: قد يطوّر بعض الأفراد جنون العظمة كوسيلة للتعامل مع شعورهم بالضعف أو عدم الكفاءة، فتجدهم يستخدمون العظمة كدرع ضد نقاط ضعفهم المتصوّرة هذه.
- العوامل البيئية: يمكن أن تساهم التأثيرات الاجتماعية والثقافية أيضًا في الإصابة بجنون العظمة. إن العيش في ثقافة تعطي قيمة عالية للنجاح الفردي أو الشهرة أو السلطة قد يشجع هذه المعتقدات.
- الإعلام والثقافة: يمكن أن يؤثّر التعرّض لوسائل الإعلام والثقافة الشعبية التي تمجّد أو تؤلّه الأقوياء أو المشاهير على تصوّرات الفرد لذاته وتطلّعاته.
- السمات الشخصية: قد يكون ذوو سمات شخصية معيّنة، كالرغبة القوية في لفت الانتباه والإعجاب، أكثر عرضة لتطور ميول جنون العظمة.
- العوامل الوراثية والبيولوجية: قد تلعب العوامل الوراثية دورًا في تنمية جنون العظمة. تشير بعض الأبحاث إلى مساهمة بعض العوامل الوراثية في سمات الشخصية المرتبطة بجنون العظمة، على غرار النرجسية.
إذا أظهرت أنت أو شخص ما علامات جنون العظمة أو السلوكيات ذات الصلة، فمن المستحسن طلب المساعدة المهنية من الطبيب النفسي الذي يمكنه تقييم الصحة النفسية بشكل عام وتوفير العلاج أو التدخل المناسب بناءً على الأعراض والاحتياجاته المحددة.
كيفية التعامل مع مريض جنون العظمة
قد يكون التعامل مع شخص يُظهر سمات أو سلوكيات جنون العظمة، خاصة في العلاقات الشخصية أو المهنية، أمرًا صعبًا. فيما يلي بعض الاستراتيجيات التي يمكن اعتمادها:
- المحافظة على الهدوء ورباطة الجأش: غالبًا ما يسعى أصحاب جنون العظمة إلى الاهتمام ورد الفعل. حاول أن تظل هادئًا ومتماسكًا في تفاعلاتك مع المصاب بجنون العظمة وتجنّب الانجرار مع صراعات السلطة أو الحجج الواهية.
- لا لتغذية غرورهم: امتنع قدر الإمكان عن تعزيز معتقداتهم أو تقديم الإعجاب أو الاهتمام المفرط لأن ذلك يزيد من وطأة جنون العظمة. بدلاً من ذلك، قدم تعليقات بناءة ووجهات نظر واقعية عندما يكون ذلك مناسبًا.
- وضع الحدود: ضع حدودًا واضحة وثابتة في تفاعلاتك مع المصاب بجنون العظمة. أحطه علما بما هو السلوك المقبول وما هو غير المقبول. وكن متسقًا في تطبيق هذه الحدود.
- توثيق السلوك: احتفظ بسجلّات مرئية ومسموعة لأي سلوك مقلق أو مزعج، خاصة إذا حدث في مكان العمل أو السياق القانوني. قد تكون هذه السجلات مفيدة إذا كانت هناك حاجة إلى اتّخاذ إجراء رسمي ضد مصاب بجنون العظمة.
- التركيز على الحقائق: عند مناقشة القضايا أو القرارات، ابن حججك على الحقائق والأدلة ولا تول أهمية للعواطف أو الهجمات الشخصية التي يعتمدها أصحاب جنون العظمة.
- الحدّ من التعرض: إن أمكن، قلل من اتصالك بالمصاب بجنون العظمة، خاصة إذا كان سلوكه يسبب لك ضيقًا كبيرًا. ابتعد عند الضرورة للحفاظ على رفاهيتك النفسية.
- حماية صحتك: أعط الأولوية لسلامتك النفسية والعاطفية. انخرط في ممارسات الرعاية الذاتية، واطلب العلاج أو الاستشارة إذا وجدت نفسك متأثرًا بشدة عند تعاملك مع مصاب بجنون العظمة.
- تشجيع التفكير الذاتي: في بعض الحالات، يمكنك، بلطف، تشجيع المصاب بجنون العظمة على التفكير في سلوكه وطلب المساعدة المهنية. لكن توخ الحذر، فقد لا يتقبّل هذا الاقتراح برحابة صدر.
- طلب الدعم: تحدث إلى الأصدقاء أو أفراد العائلة أو الزملاء الذين قد يتعاملون أيضًا مع نفس الشخص. يمكن أن تكون مشاركة تجاربك وطلب الدعم أمرًا ذا قيمة، وبإمكانكم جميعا التعاون لوضع حدٍ لتصرفاته المؤذية.
- التدخّل المهني: إذا كان جنون العظمة لدى الشخص يسبب لك أو له/ لها ضررًا أو اضطرابًا خطيرًا، ففكر في إشراك أخصائي أو وسيط في مجال الصحة النفسية يمكنه المساعدة في تسهيل التواصل بينكما ومعالجة المشكلات الأساسية.
يمكن أن يكون التعامل مع المصاب بجنون العظمة أمرًا معقّدًا، وقد يختلف النهج وفقًا للظروف المحددة ومستوى الاضطراب الذي يسببه سلوكه، لذلك من الضروري تحقيق التوازن بين احتياجاتك وحدودك الخاصة مع التعاطف والتفاهم، مع الأخذ في الاعتبار أيضًا التأثير المحتمل على الآخرين المتأثرين بسلوكهم.