العلاقات
Jan 8 2024
يبحث الإنسان عند إقامته لعلاقة عاطفية على علاقة صحية، يهدف فيها كلا الطرفين إلى تحقيق كل منهم سعادة الآخر وتطوير العلاقة بشكل مستمر. إذ يضمن فيها كل شخص التعبير بحرية وأريحية عن احتياجاته، ويساند كل منهما الآخر في اتخاذ القرارات ودعمها، دون لوم أو إشعار بالذنب أو التقصير.
ويمكن القول أن العلاقة الصحية هي تلك التي لا يحكمها الخوف أو القلق. أما ما يمكن وصفه بالعلاقات السامّة، فهي تلك التي يشعر فيها أحد الطرفين أو كلاهما بالتهديد المستمر وعدم الأمان، حيث يميل أحدهما أو كلاهما إلى التملك، السيطرة، الأنانية بشكل مباشر أو غير مباشر. صحيح أنه من الطبيعي وجود سعي لأحد الطرفين إلى فرض حدوده والتحكم في زمام الأمور في بداية العلاقة، وهذا قد يتم تبريره بالاختلاف بين الطرفين، لكن عادةً ما يتم إيجاد طريقة فيما بعد لكيفية التشارك ما بينهم على إدارة العلاقة.
تعد التربية عاملا حاسما يدفع الإنسان لجذب العلاقات السامة، كونها مرآة تعكس ما بداخلنا وما نحن عليه، فهي تشكل العامل الأساسي في بناء شخصيتنا. وعليه، عندما نتواجد في بيئة أسرية تعمل على دفعنا للتبرير بشكل مستمر والسعي الدائم لإرضاء والدينا هذا ينعكس على كيفية تعاملنا مع من حولنا ومن ضمنهم الشريك. لذلك التربية في مرحلة الصِغر أحد الأسباب التي تجعل الشخص يميل لهذه العلاقات، عندما ينشأ الطفل في بيئة كان فيها أحد والديه أو كليهما يعاني من حالة مزاجية غير مستقرة، ما يدفع الطفل للشعور بشكل مستمر أن عليه التعامل بحذر لتجنب هذا المزاج المتقلب.
وهذه البيئة تعد مرعبة بالنسبة للطفل، والتي تؤثر على اكتمال نمو الطفل على المستوى العقلي. إذ يبقى عقله منحصرا في التفكير بكيفية تجنب ردود الفعل المفاجئة والغير مستقرة للأهل، ويكون الطفل غير قادر على إدراك أنه ليس له سبب في حالة الانفجار أو الغضب التي يصل لها والديه، ويخلق ذلك شعور لدى الطفل أنه المتسبب في الموقف وأنه خطؤه.
لذلك يكبر الطفل وهو على قناعة بأن نجاح أي علاقة يخوض فيها، مرهون دائما بأن يحقق ما يرغب به الشريك، والسعي لإرضائه على حساب حاجاته وسعادته. مما يعني أنه يجب أن يلتزم بأي من القواعد التي وضعها له الشريك، وتعتذر عن الأشياء التي لم تفعلها، وكأن سعادة من حوله مسؤوليته.
عندما يبقى العامل الوحيد الذي يدفعك للبقاء في هذه العلاقة هو الماضي بما يتضمنه من لحظات جميلة، وذلك نظرا لتعاسة العلاقة في الحاضر. فهذا مؤشر على أنك تعيش في علاقة سامة غير صحية؛ لأن الماضي وذكرياته الجميلة يجب أن يكون مولدا لمشاعر الحب لا سببا لبقاء واستمرار العلاقة.
يسعى الإنسان لإقامة علاقة عاطفية بغية الشعور بالاطمئنان والاحتواء، لا الحزن والتعاسة. فإذا كنت تعيش أغلب أوقات هذه العلاقة بحزن وخوف ما يسلبك الشعور بالراحة والأمان هذا مؤشر لضرورة إنهاء هذه العلاقة كونها علاقة سامة.
العلاقة الصحية هي العلاقة القائمة على التقبل والحب غير المشروط، دون أن يضعني الشريك بقالب وتكون مشاعره تجاهي محكومة بمدى موائمتي لهذا القالب. لذلك إذا وضع الشريك عليك شروط تحكم شكلك أو أسلوب حياتك، وأن تتضمن هذه الشروط إحداث تغيير كلي وجوهري تأكد بأنك تعيش في علاقة سامة.
العلاقة العاطفية دائما ما تخلق لنا مخيلة خصبة تجعلنا نرى كل ما هو جميل في الشريك، ونتجاوز كل مؤشرات الخطر حول هذه العلاقة. لذلك نجد الكثيرين تبعا لهذه المخيلة إن لم يعيشوا في ذكريات الماضي الجميل، يكونوا أسرى لمخيلتهم التي تقول لهم أن المستقبل سيكون أجمل وأفضل. لكن المستقبل حاله حال الماضي أي مثلما لا تعيش في الماضي لا تعيش في المستقبل. إذا كانت العلاقة هادفة ومريحة سوف تستمر كذلك بالمستقبل، ولكن في حال حدوث العكس فلا تتوقع أن تتحسن الأمور.
لا يوجد ما هو أبدي وحتمي، بل يجب أن ندرك بأن كل شيء قابلا للتغيير، حتى الحب العظيم الذي نعيشه اليوم هو قابل للتغيير أيضا. يعتمد تأثير حجم وشكل التغيير الذي يطرأ على مدى متانة علاقتنا العاطفية، إذا كانت علاقة سامة غير متينة لا نشعر بالارتياح والأمان فيها. عندئذ من المؤكد أن مشاعرنا ستكون عرضة للتغير أيضا. عند حدوث ذلك يفضل الابتعاد عن العلاقة؛ لأنه يصبح ما يحكمها ليس العاطفة والمشاعر نظرا لتغيرهما، إنما يحكمها الاعتياد والروتين.
عندما تكون في موضع الشك وإعطاء المبررات لكل موقف سواء أكان يستحق التبرير أو لا يستحق، في سبيل استمرار العلاقة وإنجاحها. يجب أن تدرك أنه من غير المنطقي أن يصبح الشك وإعطاء المبرر نمط حياة، وحدوث ذلك هو أكبر مؤشر على وقوعك في علاقة سامة عليك الابتعاد عنها.
عندما نعاني من إرهاق نفسي بسبب العلاقة هذا أكبر مؤشر على أن العلاقة لا تحقق الغاية منها. وهو الشعور بالطمأنينة، الاحتواء، الأمان. وهذا ينطبق أيضا على إصابتنا بالأذى الجسدي واللفظي، فكل هذه العلامات تدل على ضرورة التخلي عن هذه العلاقة السامة.
مبدأ العلاقات الانسانية هو الأخذ والعطاء سواء كانت علاقة حب، زواج، صداقة، عمل، وحتى علاقة الأهل بابنائهم. يتوهم الكثيرون حين يظنون أنهم يستطيعون إدامة علاقاتهم بمبدأ الأخذ فقط أو العطاء فقط، بغض النظر عن مفهوم الأخذ والعطاء الذي تتبناه هذه العلاقة. فالاحتياجات التي تلبيها علاقتنا بشخص ما تختلف عن احتياجات شخص آخر في علاقة أخرى، ولكن أكثر ما يُتعب وينهك أي علاقة هو أن يكون أحد أطرافها يريد الأخذ فقط، وغير مدرك لاحتياجات الطرف الآخر وكيفية تلبيتها مما يؤدي لاستنزاف الشخص الآخر وإنهاء رصيده، وقد يصل به الأمر للتعرض لمشكلات نفسية مثل الاحساس بعدم القيمة، لوم الذات، وصولا للاكتئاب.
ونلاحظ أن في كثير من الأحيان عندما يكون مبدأ شريكنا هو الأخذ فقط ونعبر له عن احتياجاتنا التي لا يلبيها يقوم بالهروب منا. ويسعى للدخول في علاقة أخرى تشبع رغباته واحتياجاته هو فقط، وهذا ما يشعرنا بالسوء تجاه أنفسنا. وأحيانا نُهجر لأن الشخص الآخر لن يستطيع تلبية ما نريد من احتياجات أو لأننا قدمنا الكثير من التضحيات، ويشعر أنه لن يستطيع تعويضنا مهما فعل.
لذا من المهم عند الدخول في أي علاقة التأكد من أن رصيدنا في العطاء سيكون له مقابل نحتاجه، ومن المهم أن نعطي بشكل متوازن دون إنهاك أنفسنا أو الطرف الآخر. ومن المهم جدا أيضا أن يكون تقديرنا لذاتنا عالي، وبالتالي سنستطيع التعامل مع الأشخاص الآخرين ونطالب بتلبية احتياجاتنا. ولن نكون عرضة لقبول أي علاقة سامة بسبب جوعنا العاطفي، ولن يؤذينا إنهاء العلاقة أيضا بالقدر نفسه. إن توضيح احتياجاتنا للطرف الآخر ومساعدته على تلبيتها، وبالمقابل فهم احتياجاته والعمل على تلبيتها. هو ما يساعدنا على الاستمرار في أي علاقة وتطويرها والنمو معا معها.
1