الاستشارات النفسية

الصدمة النفسية بعد الحرب

Jan 6 2024

يعاني كثير من الأشخاص الناجين من الحروب من إصابات جسدية، فقدان أعزائهم، وإصابات لعدد كبير من أفراد العائلة والمجتمع، خسارة لبيوتهم وللأشياء الشخصية القيّمة الأخرى. هذه الإصابات الجسدية هي أيضاً إصابات نفسية وعاطفية لأن الخسائر المادية الشديدة تجلب معاناة نفسية فكرية ووجدانية معها.  ليس كل الأذى الجسدي يسبب معاناة نفسية، على سبيل المثال، قد يفخر الرياضيون بالاصابات الجسدية وقد تفخر الأمهات بآلام المخاض، ولكن عادةً التعرض شخصيا لإصابة أو مشاهدة تعرض الآخرين للإيذاء أو التهديد يخل بالتوازن النفسي للإنسان ويسبب له الشعور بالضيق والاضطراب. والحقيقة أن قهر آليات الدفاع النفسية العادية للإنسان ممكن أن يؤدي إلى الصدمة النفسية، بالإضافة إلى أن الحالة العامة  لأهل المصابين في الحروب في هذا الوقت متأثرة بشكل كبير بتجربة الفقدان والأسى سواء على المستوى الفردي كما في كثير من الحالات، أو على المستوى الجمعي . 

إن الأثر العاطفي لحادث مفاجئ مثل حادث سير يهدد الحياة، من الممكن أن يؤدي إلى ضرر نفسي مستمر، ولكن نجد أن الإصابة النفسية للحروب تكون قوية بشكل خاص عندما تحدث عن قصد وسوء نية وليست بالصدفة بل من فعل متعمد لأشخاص آخرين. وهذا الإيذاء المقصود يحدث رداً عاطفياً عظيماً، وغضباً ويهدف الى إذلال المصابين ومجتمعاتهم وفرض اليأس المتعلم عليهم وتحطيم منظورهم نحو الحياة .  

أثناء الاعتداء يتغير الأداء العقلي والانفعالي للمصاب بشكل حادّ بالمقارنة مع الطريقة المعتادة للشعور والتفكير، قد تشعر المصاب أن الوقت تغير أو أن الأحداث غير واقعية أو أنه يغادر جسده، وينظر إلى الأحداث من مسافة بعيدة. 

بعد الاعتداء، من الممكن أن يحدث للضحية مشاكل آنية أو متأخرة والتي تكون بمثابة ردة فعل واستجابة مميِّزة للصدمة العاطفية مثل: خدران، انفصال، حالة من الذهول والضبابية، على سبيل المثال: ممكن أن يشعر الشخص أحياناً بأنه غير حقيقي، أو أن الواقع غير حقيقي وغير واضح وغير واقعي. عادة ما يصبح لدى الضحية مشاكل في التركيز والذاكرة ونسياناً لأحداث رئيسية متعلقة بالحدث الصادم، أو نسياناً لأشياء بسيطة في حياتهم اليومية. 

وفيما بعد من الممكن أن تعاود الضحية معايشة نفس خبرة الصدمة وكأنها تحدث في الوقت الحالي، من الممكن أن "ترى" الضحية الأحداث وكأنها تحدث في طرف العين، أو كظاهرة سراب، ومن الممكن أن تقتحم عقولهم ومضات وذكريات مفاجئة للحدث الصادم. ويشعرون أنهم يعاودون معايشة الأحداث وأنهم بحاجة إلى تجنب الأشياء التي تذكرهم بالحدث، مثل المكان والصوت والرائحة. إن الشعور بالخوف والقلق والرهبة والضيق والهلع هي من المؤشرات على وجود صدمة نفسية. وهناك في الغالب مشاكل مصاحبة مثل اضطراب النوم والأكل والعمل بشكل عام. وأيضا مشاكل جسدية مثل أوجاع الرأس والآلام المختلفة والارتباك الجسدي. وأعراض جسديّة مزعجة أخرى.  

في وضع مثل الوضع القائم في الحروب، نشاهد أن المجتمع بأكمله يعيش نوعاً من أنواع ردود الفعل للصدمة النفسية، الأشياء التي تذكر بالاعتداء موجودة في كل مكان ولا يمكن تجنبها. الدمار المادي المتفشي والاحتياجات الأساسية غير الملبّاة يحدثان درجة معينة من الصدمة لدى المجتمع ككل.  


لكن كيف نحدد الفئات التي تحتاج تدخلا نفسيا؟ 

إن أكثر فئة طارئة بحاجة إلى التحويل إلى خدمات الصحة النفسية هي تلك التي يبدو عليها خطر لإيذاء الذات أو إيذاء شخص آخر، من المهم الانتباه بلباقة إن كان هناك خطر من هذا النوع. هناك فئة أخرى من الأشخاص الذين يحتاجون بشكل عاجل للتحويل إلى خدمات الصحة النفسية هي تلك التي تتضمن أشخاصاً لديهم انفعال زائد، هيجان، انسحاب أو لديهم صمت تام، أو يبدو بوضوح أن لديهم مشاكل خطيرة في التفكير ؛ البعض قد يُشير إلى أنه يسمع أصواتاً تتحدث إليه أو يعبر عن رؤية أشياء غير موجودة. 


إن الأطفال والمراهقين مهددون بشكل خاص لأنهم يحتاجون من البالغين إشعارهم بالأمن والحماية من الخطر. الكوارث المتلاحقة في دول الحروب هددت الإيمان الطبيعي لدى الأطفال بأن الأمان موجود بوجود آبائهم وأسرهم بجانبهم. الأطفال والمراهقين الذين عانوا من خسائر سابقة، مثل الفقدان، الإصابات، الانفصال والنزوح هم الأكثر عُرضةً للخطر. الأطفال الذين يظهرون الهيجان والانفعال، الصراخ، أو الانسحاب والهروب، أو إيذاء النفس ينبغي أن يتم تحويلهم إلى خدمات الصحة النفسية. إن الكوابيس واضطرابات النوم واعراض النكوص والتأخر النفسي والتطوري شائعة بين الأطفال الذين يعيشون ظروف الحرب.  


نختم بقولنا أن مثل تلك الصدمات النفسية وتبعاتها هي شائعة ومتكررة في البيئات التي تتواجد فيها الحروب سوف تؤثر على نشأة وشخصيات أبنائنا مالم يتم التصدي لها ، لذا فنحن بحاجة إلى تفقد مستمر لصحتنا النفسية وإلى التوجه إلى خدمات الصحة النفسية إذا لزم الأمر، لأن العافية النفسية ضرورة ملحة لتحرير الأرض والانسان.


0

Related articles

الفرق بين المعالج النفسي و اللايف كوتش

قد يظن البعض أن الفروع والأقسام النفسية كلها واحدة أو تؤدي الغرض نفسه، فلا يستطيعون التفريق بين الطبيب النفسي والمعالج النفسي ,ويطلقون لفظ الطبيب حتى للمرشد النفسي أو اللايف كوتش.

Jan 8 2024

متى يستخدم العلاج النفسي بالكلام ؟

العلاج النفسي,بالكلام هو علاج نفسي للمشاكل العقلية والعاطفية، مثل:,التوتر، القلق، والاكتئاب. هناك العديد من الأنواع المختلفة من العلاج بالكلام، ولكنها جميعًا تتضمن العمل مع معالج مُدَرَّب، قد يكون هذا الشخص وحده، في مجموعة، عبر الإنترنت، عبر الهاتف، مع عائلتك، أو مع شريكك.

Jan 8 2024

الاحتراق الوظيفي – الأسباب والعلاج والفرق بينه وبين الاحتراق النفسي

يُشير الاحتراق الوظيفي إلى حالة من الإرهاق الجسدي والعاطفي المزمن، وعادة ما تنتج عن التعرّض لفترات طويلة للضغوط المترتبة عن الوظيفة، ويشعر أصحابه باستنزاف العمل لهم وانفصالهم العاطفي عنه، من بين علامات أخرى. ويمكن أن يؤثّر الاحتراق الوظيفي على الأشخاص العاملين في مختلف الوظائف والمهن، كما يمكن أن يكون له آثار سلبية على صحتهم النفسية وأدائهم الوظيفي بشكل عام. لكن بطلب المشورة من طبيب أو أخصائى مؤهل في الصحة النفسية,يُمكن الحدّ من الاحتراق الوظيفي أو تجنّبه إذا شعر المرء أنه يعاني من أعراضه.

Jan 8 2024

هل العلاج النفسي ضروري في حياتنا؟

نطرح هذا المقال للإجابة على هذا السؤال الملح هل العلاج النفسي ضروري في حياتنا؟، لطالما تم تجاهل أهمية العلاج النفسي باعتباره شيئا ثانويا يمكن التغاضي عنه. لو كان لدينا الوعي الكافي لإدراك أهمية العلاج النفسي لكان مجتمعنا بالتأكيد بحال أفضل، في سبيل نشر الوعي حول العلاج النفسي نطرح لكم هذا المقال.

Jan 8 2024

العادة السرية - اضرار واسباب وطرق علاجها وعلاقتها بالاكتئاب

يمكن تعريف إدمان العادة السريّة، المعروف أيضًا باسم إدمان الاستمناء أو السلوك الجنسي القهري أو فرط النشاط الجنسي، بكونه حالة ينخرط فيها الفرد في ممارسة العادة السريّة المفرطة أو القهرية بشكل قد يتعارض، مع مرور الوقت، مع نسق حياته اليومية. ويمكن اعتبار هذا السلوك إدمانًا عندما يصبح قهريًا، أي حين يشعر الفرد برغبة غامرة في الانخراط فيه، على الرغم من العواقب السلبية التي قد تتولّد بمثل هذا التصرف على سيرورة حياته، مثل المشاكل على الصعيد الاجتماعي و/ أو الشخصي، والمصاعب خلال العمل أو الدراسة، والاضطراب العاطفي. بالإضافة إلى ذلك، قد يواجه المدمنون صعوبة في التحكم في أنفسهم وقد يستمرون في القيام بالسلوك على الرغم من اختبارهم ووعيهم بمضاره. من المهم أن نلاحظ أنه، في حين أن العادة السريّة في حد ذاتها هي سلوك جنسيّ طبيعي وصحي، فإن العادة السريّة المفرطة أو القهرية يمكن أن تكون دليلا على مشكلة نفسية أعمق قد تحتاج إلى المساعدة من قبل مختصّ.

Jan 8 2024

الضيق النفسي المفاجئ – أسباب وطرق العلاج وعلاقته بالاكتئاب

في بعض الأحيان، قد يمرّ الإنسان بلحظات من الضيق النفسي المفاجئ، يشعر فيها بالتوتّر,والضيق بشكل غير مُتوقّع ودون سبب واضح أو وجيه. ومن الممكن تصنيف هذا الشعور بالضيق في مجموعة المشاعر السلبية التي قد تؤدي إلى العديد من المشاكل النفسية والجسدية؛ إذ عندما يتجاهل الشخص هذا الضيق ولا يحاول معرفة سببه أو مصدره، فإنه سيتفاقم تدريجياً (دون شعور صاحبه بذلك) حتى يصل في النهاية إلى حالة من,القلق,والتوتّر التي قد تتطور مع مرور الوقت لتصبح مشاكل جسدية.,

Jan 8 2024

All Rights Reserved. Tatmeen © 2025

All the medical information contained on the Tatmeen website aims to increase health awareness, and does not replace the need to consult a specialist.

App StoreGoogle Play

Licensed platform by the Saudi Ministry of Health

تطمين
تطمينتطمينتطمينتطمينتطمينتطمينتطمينتطمينتطمينتطمين
تطمينتطمينتطمينتطمينتطمينتطمينتطمينتطمينتطمينتطمين