العلاقات الزوجية
Jan 10 2024
هل أحسستِ يوما بمشاعر خانقة مثل الغيرة حين توقف زوجك ليحادث زميلته الجميلة في العمل؟ ماذا عندما تبادلت زوجتكَ الحديث مع قريب لها في العيد وإسهابهما في السؤال عن الأحوال؟ أو ربما عندما لاحظتِ ازدياد قوة العلاقة بين صديقتك المقربة وفتاة أخرى ومحاولتك تتبع أخبار تواصلهما وخروجهما سوية بدونك؟
تلك مشاعر جياشة تستحق أن ننظر إليها من منظور نفسي محاولين أن نتعرف على حقيقتها، علّنا نستطيع التخفيف من أثرها السلبي على من يشعر بها وبالتالي الحفاظ على العلاقة صافية من تلك الخصلة واسعة الانتشار، بالرغم من كونها خصلة مزعجة ومؤذية في العلاقات الزوجية او المجتمعية.
يمكننا تعريف الغيرة بأنها مجموعة معقدة من الأفكار والسلوكيات والمشاعر التي تظهر كردة فعل على تهديد حقيقي أو متخيل لعلاقتنا بمن نحب، تكون المشاعر مختلطة من الغضب والحزن والاستياء والعجز. وهي تختلف عن الشعور بالغيرة من الآخر لامتلاكه من المال أو الجمال أو المركز المرموق أو الوظيفة المثالية وغيرها مما يسعى إليه الإنسان، وتختلف عنها باشتراط وجود طرف ثالث. وكذلك أيضا فهي تختلف عن الشعور بالغبطة والتي تعني التوق للحصول على تلك الامتيازات دون تمني زوالها عن صاحبها.
تولد الغيرة من مشاعر قديمة لعدم الأمان بالإضافة إلى حب التملك، عادة ما يكون الأشخاص الغيورون قليلي الثقة بأنفسهم كما يعتقدون بأنهم غير كافين؛ أي أن شريكهم في العلاقة أفضل منهم بشكل من الأشكال لذا فهو يستحق شريكاً أفضل! يعتبر أولئك أن تخلّي الشريك عن هذه العلاقة وارتباطهم بشخص "أفضل" هو مسألة وقت فقط! يرى بعضهم أن العلاقة الجديدة للشريك قد تؤدي إلى انتقاص جودة علاقتهم الخاصة والحرمان من امتيازاتها، مما يدفعه إلى الغيرة بطريقة دفاعية عن العلاقة.
أسوأ ما في الغيرة أنها تجعلك تعلق داخل دائرة مغلقة، فعندما تجول في رأسك فكرة أن شريكك في العلاقة يهتم لأمر طرف ثالث، فإن ذلك سيدفعك لاستخدام أي جزء من التفاصيل كدليل يثبت صحة معتقدك مهما كان ذلك الدليل واهيا، مما يجعلك تقوم بسلوكياتٍ غير واعية تجاه شريكك، سلوكيات غاضبة وانفعالية عنوانها الاتهامات وهدفها حقنه بالشعور بالذنب، كل ذلك سيجعل شريكك مستاء وأكثر تحفظاً، وسيحمله إلى الابتعاد حقا عنك والهروب من الاتهامات الموجهة إليه، لأن بقاءه سيثقله بالشعور بالذنب والعنف والتوتر الناتج من الغيرة. تصرف الشريك بتلك الطريقة يقدم لك على طبق من ذهب دليلا واضحا على عدم شعوره بالرضى عن علاقتكما وبالتالي على نيته التخلي عن هذه العلاقة، مما يزيد من قوة شعورك ويزيد حدة سلوكيات الاتهام فتعلق داخل الدائرة الشرسة للغيرة أكثر فأكثر.
تعتبر الغيرة في كثير من الأحوال غير مرضية وجزءا من طيف المشاعر التي يشعر بها الإنسان أثناء خوضه في العلاقات، في حين أن الغيرة الاستحواذية والغيرة الضلالية هما نوعان مختلفان من الغيرة المرضية؛
تتمثل الغيرة الضلالية -أو متلازمة عُطيل نسبةً إلى مسرحية شيكسبير الشهيرة- بمعتقدات قوية وخاطئة بعدم إخلاص الشريك وبالتالي اتهامات متكررة له والبحث الدائم عن أدلة تثبت خيانته والتحقيق معه بشكل مستمر بالإضافة إلى الملاحقة.
تتم معالجة الغيرة الضلالية بمضادات الذهان لإنها تعتبر اضطرابا ذهانيا، ولا نكتفي بالعلاج الدوائي فهناك الكثير من العمل العلاجي الكلامي الواجب حتى يستبصر المصاب وتزداد حصانته النفسية لهذه الأعراض.
في حين أن الغيرة الاستحواذية تتمثل باجترارات فكرية مؤلمة وغير عقلانية تدور حول خيانة الشريك، يصحبها تحققٌ قهري من سلوكه مع إدراك أنه لا يوجد دليل على عدم وفائه. تشبه هذه الغيرةُ السلوكياتِ القهرية الوسواسية وعليه فإنها تعالج بمثبطات إعادة امتصاص السيريتونين بالإضافة إلى العلاج المعرفي السلوكي.
تكمن خطورة كلا النوعين من الغيرة بآثارهما المضرة بالعلاقة الزوجية كما من الممكن أن تشتد لتسبب القتل أو الانتحار، تشير الدراسات إلى عدم وجود اختلاف بين الجنسين في شدة الميل للغيرة، في حين تشير أخرى إلى أن الغيرة لدى الرجال كانت دافعا أقوى للقتل، وربما كان ذلك بسبب ميل الرجال أكثر للعنف.
ترتبط الغيرة أحيانا ببعض مشاكل الصحة النفسية؛ كالفصام الذي تعتبر الضلالات والهلاوس من أهم أعراضه، والأمراض الذهانية التي تؤثر على الإدراك والمعتقدات والعاطفة، والقلق الذي يتمثل بتهويل المخاوف وتدني الشعور بالثقة بالنفس، واضطراب الشخصية الحدية الذي يعتبر الخوف من الهجران من أهم مميزاته.
أنا أغار..كيف أساعد نفسي؟ كيف أخرجها من تلك الدائرة الشرسة؟
ولأن الغيرة وآثارها المؤذية لا تقتصر على من يشعر بها، بل تتعداه إلى الطرف الآخر في العلاقة، فإليك يا من تربطك علاقة بشخص يعاني من الغيرة هذه النصائح:
وأخيرا نود الإشارة إلى أن مشاعر الغيرة يصعب البوح بها لأنها لا تلقى التعاطف ولا الترحيب اللذان تحظى بهما مشاعر مؤلمة أخرى كالحزن والخوف، فإذا لم تكن التعليمات السابقة كفيلة بمساعدتكما على تجاوز هذه المشاعر الصعبة فلا تترددوا باستشارة المختصين القادرين على مساعدتكم في فهم وإدارة هذه المشاعر.
اشترك مع منصة تطمين للاستشارات النفسية والأسرية أونلاين واحصل على إرشادات من خلال برامج للمساعدة الذاتية او قم بالتحدث مع أفضل أخصائي العلاج النفسي، بما يشمل مختصين من المجال الاجتماعي، الزوجي، الاسري وغيرهم.
0