الاضطرابات النفسية
8 يناير 2024
يتعرض كل إنسان خلال حياته لمواقف قد يكون فيها محط أنظار بيئته ومحيطه، مثل: إلقاء كلمة أو خطاب أمام مجموعة من الناس، أو من الممكن لما هو أقل من ذلك، مثل: التعرف على أناس جدد. من الطبيعي جدا عند مواجهة مواقف لأول مرة أن يشعر الإنسان بالقلق والإرباك والإحراج، ومن المفترض أن يكون هذا الشعور لحظي وينتهي بانتهاء الموقف ومن غير الطبيعي أن يستمر لأكثر من ذلك.
تثور المشكلة عندما لا يقتصر الشعور بالقلق والإرباك على موقف معين، إنما عندما تلازم هذه المشاعر المصاب عند التعرض لكل موقف اجتماعي. وهذا ما يطلق عليه الرهاب الاجتماعي، إذ أن الأشخاص الذين يعانون من الرهاب الاجتماعي يسيطر عليهم هذا الخوف والتوتر والذعر الشديد حتى قبل فترة من حدوث الموقف. وقد يكون هذا الخوف والإرباك لدى من يعانون من الرهاب الاجتماعي مصاحبًا لمواقف بسيطة لا تحتمل ذلك، مثل: الانتظار بين الناس، أو شراء حاجيات والتعامل مع الباعة، وغير ذلك من المواقف اليومية. يدرك المصابون بأن شعورهم بالخوف والقلق لا يستند على أي أسباب منطقية، ولكنهم لا يستطيعون السيطرة عليه.
الرهاب الاجتماعي هو اضطراب نفسي يشعر فيه المصاب بخوف شديد ورغبة شديدة في تجنب المواقف الاجتماعية. نتيجة القلق والتفكير الدائم بانطباع الآخرين عنه، وعدم اعجابهم به أو موائمته لهم، ما يجعله يتخوف من تعرضه للإحراج والإهانة. هذا الشعور بالخوف والقلق يشعر به المصاب على درجات متفاوتة والتي قد تصل لمراحل متقدمة قد تعيق قدرته على القيام بالأعمال اليومية، وربما يصل الأمر إلى منحى سلبي يقود لامتناع المصاب عن الخروج من المنزل للقيام بمهام أساسية كالذهاب للعمل أو الدراسة.
يندرج الرهاب الاجتماعي تحت مظلة اضطراب القلق الاجتماعي الذي يصنف ضمن أنواع اضطرابات القلق. كما يعد الرهاب الاجتماعي أكثر شيوعًا في الإناث عن الذكور، وقد يصيب الأشخاص في أي مرحلة عمرية، ولكن عادة ما تبدأ أعراض الرهاب الاجتماعي عند المراهقين.
مشاعر الإرباك والخوف والقلق في بعض المواقف لا تعني بالضرورة على وجود علامات اضطراب الرهاب الاجتماعي، وخاصةً عند الأطفال. إذ تختلف مستويات التفاعل في المواقف الاجتماعية، طبقا للصفات الشخصية والتجارب الحياتية، بعض الأشخاص بطبيعتهم انطوائيون وآخرون أكثر انفتاحًا.
ينطوي اضطراب الرهاب الاجتماعي على الخوف والقلق والتجنب، مما يتعارض مع الروتين اليومي، العمل، والمدرسة أو غيرها من الأنشطة. اضطراب الرهاب الاجتماعي يبدأ عادةً في أوائل وحتى منتصف فترة المراهقة، على الرغم من أنه يمكن أن يبدأ في بعض الأحيان عند الأطفال الأصغر سنًا أو البالغين.
لم يتم تحديد السبب المباشر للإصابة بالرهاب الاجتماعي، ولكن يمكن القول أن اجتماع مجموعة من العوامل البيئية، الوراثية، والجسدية قد يلعب دورا في حدوث الإصابة بالرهاب الاجتماعي.
تشير العديد من الدراسات أن الأمراض النفسية شأنها شأن الأمراض الجسدية تنتقل بالوراثة. بمعنى، من الممكن أن تكون معظم الأمراض النفسية أمراض تنتقل بالوراثة أي لوجود تاريخ عائلي لهذا المرض. مثل ذلك، الأمراض الذهانية كالفصام والاكتئاب. صحيح أنه لم يتم الجزم بذلك ولكن هناك العديد من الأبحاث التي تشير إلى وجود جينات مسؤولة عن إحداث الاكتئاب، ووجود إصابة واحدة بالاكتئاب لأحد أفراد العائلة كفيل أن يضاعف من احتمالية الإصابة به لدى البقية.
وهذا ما ينطبق على الإصابة بالرهاب الاجتماعي، إذ قد تلعب العوامل الجينية دورًا في حدوث الرهاب الاجتماعي، حيث يزداد خطر الإصابة إذا كان أحد أفراد الأسرة مصابًا بالرهاب الاجتماعي.
يعد حدوث اختلال في توازن النواقل العصبية التي لها دور في استقرار الحالة المزاجية، سببا من أسباب الإصابة بالرهاب الاجتماعي بالأخص إذا كان هذا الخلل يتمثل إما بارتفاع مستوى الناقلات العصبية في الدماغ، مثل: السيروتونين و الغلوتاميت أو حدوث فرط في نشاط عدة دوائر عصبية في الدماغ.
كما قد ترتبط الإصابة بالرهاب الاجتماعي بوجود فرط في نشاط اللوزة الدماغية، وهي جزء في المخ مسؤول عن الاستجابة المتعلقة بالخوف؛ مما يؤدي إلى خوف مبالغ فيه في بعض المواقف والشعور بالقلق دون سبب.
البيئة التي ينشأ فيها الفرد من العوامل الرئيسية المؤثرة على الصحة النفسية له، ونقصد هنا المفهوم الأولي للبيئة أي بمعنى البيئة التي ولد وتلقى فيها الإنسان تربيته. إذ أن تواجد الفرد ضمن بيئة أسرية تتبع التعنيف والمعاملة القاسية كنهج للتربية، هذا كفيل أن يشكل عدد كبير من الاضطرابات النفسية لأبنائها. صحيح أن بيئة الإنسان لا تقتصر على الأسرة إنما يوجد دوائر أوسع بكثير منها، ولكن يمكن القول أن الأسرة هي الركيزة الأساسية في تشكيل الصحة النفسية للإنسان.
وعليه، عندما يعيش الفرد ضمن والدين يحيطونه ضمن أجواء تسودها التوتر والعصبية بشكل متكرر، بالإضافة للانتقاد المستمر لتصرفاته وإهماله أو الحماية المفرطة له. هذا كفيل أن يخلق لدى الطفل شعور مستمر بالخوف والإرباك مما يقود بالنتيجة لإصابته بالرهاب الاجتماعي.
لا يمكن اعتبار كل شعور بالإرباك والخوف في المواقف الاجتماعية هو مؤشرًا على الإصابة بالرهاب الاجتماعي. إذ يمكن القول أنه يجب أن تكون هذه المشاعر بأعلى مستوياتها، أي للحد الذي تعيق المصاب عن ممارسة حياته الاجتماعية بشكل طبيعي؛ لأنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن مستويات الشعور بالراحة في المواقف الاجتماعية تتفاوت تبعًا لشخصية الإنسان، وطبيعة التجارب التي خاضها في حياته. فبعض الأشخاص متحفظون بطبعهم، والبعض الآخر أكثر انفتاحًا.
وعلى العكس من العصبية اليومية، تشمل علامات اضطراب الرهاب الاجتماعي الخوف والقلق والعزلة بما يؤثر على طبيعة علاقة المصاب بالآخرين أو الأنشطة الروتينية اليومية التي يقون بها كالعمل والدراسة. وعادةً يبدأ اضطراب الرهاب الاجتماعي في بداية مرحلة المراهقة أو منتصفها، إلا أنه قد يبدأ أحيانًا لدى الأطفال الأصغر سنًا أو البالغين.
قد تشمل علامات وأعراض اضطراب القلق الاجتماعي شعورًا دائمًا بالآتي:
قد تصاحب مؤشرات وأعراض جسدية اضطراب القلق الاجتماعي أحيانًا، وقد تشمل:
قد تتغير أعراض اضطراب الرهاب الاجتماعي بمرور الوقت. فقد تشتد إذا كنت تواجه كثيرًا من التغيرات أو التوتر أو مطالبَ في حياتك. ورغم أن تجنب المواقف التي تسبب اضطراب القلق الاجتماعي قد يجعلك تشعر بأنك أفضل في فترة قصيرة، فإن الراجح أن قلقك سيظل موجودًا على المدى البعيد إذا لم تحصل على علاج.
ينقسم الرهاب الاجتماعي إلى:
تكون حياتهم صعبة لأن الإنسان يتوجس من حضور المناسبات الاجتماعية، يتوجس من القيام بأمور معينة فيتوقع دائماً الأمور السلبية قبل حدوث أي أمر، فيكون هنالك مخاوف من الإهانات أو من نظرة الأشخاص لهم أومن التنمر عليهم. في البداية تكون الأعراض بمظهر خفيف لدى اندماج الشخص، لكن هنالك حالات متقدمة فيتوقع حدوث أشياء معينة ويمنع نفسه من الاندماج ويؤدي إلى العزلة فيصبح غير قادر على التوجه إلى العمل أو الانخراط في حياته الاجتماعية. ويزداد الأمر سوءا فيقارن نفسه بالغير فلماذا لا يستطيع مجاملة الآخرين. فيكون المصاب لديه استبصار في مرضه وحالته، ولكن عادة كثير من الأشخاص يحاولون شفاء نفسهم بأنفسهم وغالباً يفشلوا ويصبح هناك أعراض أكثر عمقاً.
يصنف الرهاب الاجتماعي بأنه اضطراب نفسي يطلق عليه اضطراب القلق الاجتماعي. الذي يؤثر على مشاعر المصاب به وسلوكه، وهذا بدوره ينعكس على تصرفات المريض وطريقة حديثه في أي موقف اجتماعي يتعرض له. يذكر أن تصنيفه كاضطراب ناجم عن تكرار الأعراض التي يشعر بها المريض بشكل يومي وعند كل موقف اجتماعي يتعرض له، والتي تتجسد في الشعور بالقلق والخوف.
كما يعتبر الرهاب الاجتماعي من الأمراض النفسية الأكثر شيوعا، حيث يُصاب ما بين 7 و12 شخصاً من كل 100 شخص بالرهاب الاجتماعي على الأقل مرةً واحدةً في حياتهم. كما أن الإصابة به شائعة لدى النساء أكثر من الرجال ما يعادل مرةً ونصف أكثر من نسبة إصابة الرجال. يكون ظهور المرض لأول مرة في معظم الحالات أثناء مرحلة المراهقة.
من النادر جداً أن تتراجع الإصابة بالرهاب الاجتماعي من تِلقاء نفسها، وتَظَلّ الأعراض قائمةً بشكل دائم خاصة في مرحلة البلوغ إذا لم يخضع المُصاب لعلاج طبي، بينما تكون فرص الشفاء جيدة إذا تم العلاج بطريقة علمية ومدروسة.
يساعد العلاج النفسي على تخفيف الأعراض لدى غالبية مرضى اضطراب الرهاب الاجتماعي، إذ يمكن المريض خلال فترة العلاج من اكتشاف سلوكيات التفكير السلبي التي يمارسها وتغييرها. كما يتمكن من تطوير المهارات التي تساعده على اكتساب الثقة بالنفس في المواقف الاجتماعية. من المهم أن يدرك المريض بأن العلاج يعتمد على مدى تأثير أعراض اضطراب الرهاب الاجتماعي على قدرته في أداء وظائفه الحياتية اليومية. ويشمل العلاج الأكثر شيوعًا لاضطراب الرهاب الاجتماعي العلاجَ النفسي العلاج الدوائي أو كليهما.
يمثل العلاج السلوكي المعرفي أكثر أنواع العلاج النفسي فاعلية في معالجة الرهاب الاجتماعي، ويحقق تأثيره العلاجي سواء أكان فرديًا أم جماعيًا. يهدف العلاج السلوكي المعرفي إلى تعريض المريض للمواقف الاجتماعية، التي تسبب له أعراض الرهاب الاجتماعي. ذلك بهدف تأهيل المريض نفسيًا لمواجهة هذه المواقف التي تثير مشاعر الخوف والقلق لديه، وتحسين مهارات التأقلم لديه على فكرة التفاعل مع الآخرين ومساعدته على التحلي بالثقة التي تمكنه من التعامل مع المواقف المسببة للخوف والقلق. ويمكنك أيضًا المشاركة في جلسات تدريب لاكتساب المهارات أو تمثيل مواقف معينة (لعب الأدوار) لتعزيز مهاراتك الاجتماعية والشعور بالراحة والثقة تجاه الآخرين. فإن التعرض للمواقف الاجتماعية يساعدك في المقام الأول على مواجهة مخاوفك.
يمكن أن يصف لك مزود الرعاية الصحية أيضًا أدوية أخرى لعلاج أعراض القلق الاجتماعي، مثل:
عليك أن تدرك أنه يمنع تعاطي هذه الأدوية دون استشارة من طبيبك النفسي المختص، الذي لديه القدرة على تحديد أيا كان هذه الأدوية التي تلائم حالتك تبعا لتشخيصك. وهو الأقدر على تحديد الجرعة الدوائية التي من الممكن أن يعمل على زيارتها تدريجيا لك من جرعات منخفضة إلى أعلى، حتى لا تعاني من مسألة التعرض للآثار الجانبية من الأدوية. العلاج بالدوائي ليس حلا سحريا إذ لا يعمل على إنهاء الأعراض بمجرد تناوله، بل قد تحتاج إلى عدة أسابيع أو عدة أشهر حتى تتحسن أعراضك تحسنًا ملحوظًا.
ولا تتوقع أن يحقق العلاج نتائج إيجابية سريعة، فما زال بإمكانك إحراز التقدم في العلاج النفسي من خلال عدة أسابيع أو أشهر. كما أنه لا يقتصر على ذلك بل يتطلب العلاج منك جهدا إضافيا في تعلم مهارات جديدة لإدارة قلقك، سيستغرق منك ذلك بعضا من الوقت. وقد يتطلب التوصل إلى العلاج المناسب شيئًا من التجربة والخطأ. ومن المهم أن تعرف أن النتائج التي يحققها العلاج هي متفاوتة من مريض لآخر إذ قد تتلاشى أعراض اضطراب الرهاب الاجتماعي لدى بعض الأشخاص بمرور الوقت، ولا يستمرون في تناول الدواء. في حين أن البعض الآخر قد يحتاج إلى تناول الأدوية لأعوام للوقاية من الانتكاس.
حتى يحقق العلاج النتائج المرجوة منه، عليك أن تلتزم بمواعيدك الطبية والعلاجية ، ووضع أهداف بخوض المواقف الاجتماعية التي تتجنبها على الدوام، وتناول الأدوية حسب تعليمات الطبيب، وتحدث إلى مقدم الرعاية الصحية بشأن أي تغيرات في حالتك.
لا تقتصر الوسائل العلاجية لاضطراب الرهاب الاجتماعي فقط على جلسات العلاج النفسي والعلاج بالأدوية، يوجد العديد من الطرق العلاجية البديلة أو المساعدة للطرق السابقة، منها:
في الختام، نقول لك أن العلاج الأمثل لاضطراب الرهاب الاجتماعي، هو القناعة بأن الآخرين من حولك هم مثلك تماما أشخاص لديهم عيوب وميزات، يخطئون ويصيبون وليسوا كاملين، لذلك الاحتكاك بهم لا يستدعي الخوف أو القلق. مهما تعددت الطرق العلاجية فإننا نؤكد لك أنها لن تحقق أية نتائج إن لم يكن لديك إدراك وقناعة بذلك وبأهمية العلاج، وبأن أولى خطوات العلاج تبدأ بقرار منك.
لذا عليك أن تفكر في مخاوفك وتقوم بتحديدها، وأن يكون لديك القدرة على وصف مشاعرك عند التعرض لها. حتى تتمكن من تحديد طبيعة ما تعانيه، ومساعدة طبيبك النفسي على تحديد الخطة العلاجية المناسبة لك. ومن ثم نفذ الأنشطة التي ذكرناها آنفا التي من شأنها أن تقلل من مشاعر القلق والتوتر والإرباك لديك. ابدأ كل ذلك بالتدريج وبخطوات صغيرة من خلال وضع أهداف يومية أو أسبوعية بالتعرُّض لمواقف بسيطة ليست شديدة الوطأة.
لا يمكننا أن نجزم لك بأنه سيكون من الهين أو السهل عليك أن تتحول إلى شخص اجتماعي، بل هو صعب ولكن ليس مستحيلا، هكذا هي البدايات دائما ما تكون صعبة وتختبر قدرتك على التحمل. وما يمكننا أن نكون جازمين به أن التزامك بالبداية هو ما سيحدث فارقا معك، لذا على الرغم من الصعوبة أو الألم التي يبدو عليهما الأمر في البداية، لا يجب أن يحبطك ويجعلك تتجنب المواقف التي تثير أعراض الرهاب الاجتماعي لديك وتحفزها. بل عليك مواجهة هذه المواقف وبناء مهارات للتأقلم معها، وتعزيزها.
ننصحك بالعمل على السعي لبناء شبكة اجتماعية لك من خلال التواصل مع الأصدقاء وأفراد العائلة بشكل روتيني، الانضمام إلى مجموعات تطوعية وتفاعلية، توفر فرصًا لتحسين مهارات التواصل والتحدث أمام الجمهور، مثل الجمعيات والمجموعات الشبابية، قم بتعزيز مهاراتك وروايات.
1