الاستشارات النفسية
7 يناير 2024
لماذا نتجمد أحيانا أمام سيارة قادمة باتجاهنا مع أننا نستطيع الركض وإنقاذ أنفسنا؟ في المواقف الصادمة أو التجارب غير الاعتيادية (الخطر) يعمل دماغ الإنسان من خلال استجابة البقاء (الهجوم أو الهروب) أي حارب أو اهرب، وهذه الاستجابة معروفة عند جميع الكائنات الحية ففي حال وجدت نفسك في الغابة أمام وحش مثلا فإنك إما ستهرب؛ لأنك لا تستطيع مواجهته أو ستحاربه لتقضي عليه، فدماغك يعطي الأوامر لجسدك في المواجهة أو الهروب.
ولكننا في حالات كثيرة عند التعرض لموقف صادم أو خطير مثل سيارة مسرعة قادمة باتجاه شخص ما، نجد الشخص تجمد ولم يعد يتحرك مطلقا رغم أن بإمكانه الهرب، إلا أنه يبقى واقفا مندهشا ومتجمدا؛ وذلك بسبب طغيان (سيطرة) الحالة النفسية على الحالة الجسدية بمعنى أن الدماغ يعطي أوامر للجسم بأن الوضع خطير، وعليه أن يتحرك إلا أن الخوف الذي انبعث في أرجاء الجسم أثر على حركته.
بحسب علم النفس يمكن تقسيم الصدمة النفسية إلى الأنواع التالية:
1. صدمة الطفولة: وهي الصدمات النفسية التي تنتج عن تجارب الطفولة السيئة أو المواقف الصعبة التي يتعرض لها الطفل. والتي تتمثل بإهمال الأهل للطفل، تعرضه للاعتداء الجنسي، الجسدي، أو العاطفي، وأن يتأثر الطفل من ظروف الطلاق الصعبة بين والديه.
2. الصدمة النفسية الحادة: وهي الصدمة النفسية الناتجة عن تعرض الشخص لحدث خطير مفصلي في حياته، يرتب حدوث ردة فعل لديه. مثال ذلك: التعرض للاعتداء الجنسي أو فقدان شخص قريب علينا.
3. الصدمة النفسية المزمنة: وعي الصدمة النفسية التي تنتج عن التعرض لأحداث ومواقف صعبة تكون متتالية ومتكررة في وقوعها، مثال ذلك: التعرض للتعنيف وسوء المعاملة.
4. الصدمة النفسية المعقدة: وهي الصدمة النفسية التي يتعرض فيها الشخص لأحداث شديدة الضرر، للحد الذي يصل فيه المرء للقناعة بأنه محاصر بها ولا يمكن تجاوزها أو التخلص منها. ما يترتب على ذلك، شعور المصاب بها بالإرهاق، اليقظة المستمرة، والخوف.
5. الصدمة النفسية غير المباشرة: وهي الصدمة النفسية التي يتعرض لها من يعايش ويستمع لأشخاص تعرضوا لمواقف وحوادث صادمة وصعبة، نتيجة لذلك مع مرور الوقت وبقدر استماعهم لهذه الحوادث يكونوا معرضين للإجهاد النفسي والعاطفي. مثال ذلك: العاملين في مجال الصحة النفسية كالأطباء والأخصائيين النفسيين، أو مقدمي الرعاية للمصابين بالصدمة النفسية.
وغالبا ما يحدث الخوف نتيجة الأفكار السلبية لدى الشخص وطريقة إدراكه للموقف الذي يحصل معه، لو كانت فكرته أنه موقف صعب ولا يمكن الفرار منه سينتشر الخوف في أرجائه ويمنعه من الحراك. وقد يعتمد الجسم هذه الاستجابة دوما فنجد هؤلاء الأشخاص يتجمدون أيضا في المواقف الحياتية ودون وجود خطر فعلي، مثال ذلك: عدم القدرة على التحدث في المواقف الاجتماعية أو تقديم عرض أمام مجموعة من الناس، وهنا قد ينشأ لدى الشخص اضطراب القلق الاجتماعي أو القلق بشكل عام نتيجة حالة التوتر التي تحصل في جسمه عند الموقف الضاغط
من الممكن أن تبدأ أعراض الصدمة مبكرا أي خلال ثلاثة أشهر من حدوثها، وقد تتأخر حتى أكثر من سنة. تستمر الأعراض عادة لأكثر من شهر ويرافقها تأثير كبير على حياة المريض المصاب بالصدمة.
هناك أكثر من نوع تم اعتماده لعلاج الصدمات النفسية، منها:
1. العلاج السلوكي: وهو علاج يقوم على تعلم كيفية التعامل مع هذه الضغوط وتطوير مهارات واستجابات صحية لمواجهتها مع مختص نفسي، يساعد المريض خطوة بخطوة ويدربه على المواقف بشكل تمثيلي (نمذجة) عن طريق الخيال وتبادل الأدوار.
2. العلاج بالتعرض: أي أن يتم علاج الشخص من الصدمة بالتعرض للموقف المحدث للصدمة بشكل تدريجي، إلى أن يستطيع الشخص التعامل معه بشكل كامل. ويكون ذلك عن طريق دفع الشخص لمواجهة الذكريات المتعلقة بالحادث بدل تجنبها، على أن يتم ذلك في بيئة آمنة ومع أخصائي نفسي حتى لا يكون لذلك نتائج عكسية.
3. العلاج بالأدوية: يعد العلاج بالأدوية من طرق العلاج الشائعة للصدمة النفسية، لكن لابد من الانتباه أن الأدوية وحدها لا تكفي في علاج الصدمة النفسية، بل لابد من الاعتماد على جلسات العلاج النفسي سواء قائمة على العلاج السلوكي أو بالتعرض؛ وذلك لضمان تحقيق نجاعة أكبر في علاج الصدمة النفسية. من الأدوية الأكثر شيوعا في علاج الصدمة النفسية، أدوية مضادات الاكتئاب لما لها دور كبير في تحسين الحالة المزاجية للمصاب.
الصدمة النفسية هي نتاج تعرضنا لحدث أليم مقترن بذكريات وتفاصيل أليمة، لكن مهما كانت أليمة وأثقلت كاهلنا. علينا أن ندرك بأنها تجربة إن تعاطينا معها بوعي سنخرج منها أقوياء، ولن نسمح للأعراض المصاحبة لها أن تنال منا، فقط علينا أن نتخذ الخطوة الأولى وهي الإيمان بقدرتنا على تجاوزها، والإيمان بنجاح وجدى اللجوء للعلاج النفسي.
0