الاستشارات النفسية
8 يناير 2024
يمكن تعريف إدمان العادة السريّة، المعروف أيضًا باسم إدمان الاستمناء أو السلوك الجنسي القهري أو فرط النشاط الجنسي، بكونه حالة ينخرط فيها الفرد في ممارسة العادة السريّة المفرطة أو القهرية بشكل قد يتعارض، مع مرور الوقت، مع نسق حياته اليومية. ويمكن اعتبار هذا السلوك إدمانًا عندما يصبح قهريًا، أي حين يشعر الفرد برغبة غامرة في الانخراط فيه، على الرغم من العواقب السلبية التي قد تتولّد بمثل هذا التصرف على سيرورة حياته، مثل المشاكل على الصعيد الاجتماعي و/ أو الشخصي، والمصاعب خلال العمل أو الدراسة، والاضطراب العاطفي. بالإضافة إلى ذلك، قد يواجه المدمنون صعوبة في التحكم في أنفسهم وقد يستمرون في القيام بالسلوك على الرغم من اختبارهم ووعيهم بمضاره. من المهم أن نلاحظ أنه، في حين أن العادة السريّة في حد ذاتها هي سلوك جنسيّ طبيعي وصحي، فإن العادة السريّة المفرطة أو القهرية يمكن أن تكون دليلا على مشكلة نفسية أعمق قد تحتاج إلى المساعدة من قبل مختصّ.
في حين أن ممارسة العادة السريّة بانتظام لا يعني بالضرورة وجود مشكلة، فإن أيًا مما يلي قد يشير إلى أن الوقت قد حان للحصول على المساعدة:
يمكن أن يكون للعادة السرّية المفرطة العديد من الآثار السلبية على الفرد، بما في ذلك:
وعموما فإن الإفراط في شيء ما، مهما كان، هو مضرّ إما بالصحة النفسية أو الجسدية أو الاثنين معا، ويجب ألا يعتمد الفرد على أية أنشطة خارجية لتحقيق السلام الداخلي، لأن ذلك قد يؤدي بالضرورة إلى التبعية وبالتالي الإدمان.
للعادة السرّية عدد من الفوائد الصحية كذلك، حيث يمكن أن تساعد الفرد على التخلص من التوتر وتحسين المزاج، إضافة إلى إفراغ الشحنة الجنسيّة والاسترخاء. يعدّ الاستمناء أيضًا أحد الطرق الأكثر أمانًا بشكل عام للتعرف على نفسك وجسمك ورغباتك لأنك تملك السيطرة الكاملة ولا يوجد احتمال لحمل غير مرغوب فيه أو أمراض منقولة بالاتصال الجنسي.
لكن العادة قد تتطوّر إلى إدمان في حال أصبحت بمثابة هوس بمطاردة ذروة النشوة الجنسية. قد يؤدي ذلك إلى ممارسة العادة السريّة بإفراط مما قد يحوّلها إلى مشكلة. كشفت إحدى الدراسات عن كون هرمون الأوكسيتوسين، ومسارات الحمض النووي المتغيرة في الدماغ، تلعب دورًا في اضطراب فرط النشاط الجنسي، وهي حالة تتميز أيضًا بالسلوك الجنسي القهري. رغم أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث، يأمل العلماء بأن هذا الاكتشاف قد يؤدي إلى خيارات علاجية جديدة.
قد تكون السلوكيات الجنسية القهرية عصبية أيضًا، كما تشير بعض الدراسات. قد يؤدي عدم توازن المواد الكيميائية الطبيعية في الدماغ أو الأمراض العصبية مثل مرض الخرف إلى تطوير سلوك جنسي قهري. وتشير أبحاث أخرى في الحيوانات إلى أن الإدمان السلوكي قد يغير المسارات العصبية للدماغ بشكل مشابه لاضطرابات تعاطي المخدرات. قد يقود هذا الفرد إلى الرغبة في القيام بهذا السلوك في كثير من الأحيان، كما هو الحال مع الاستمناء.
فيما يلي عدة أسباب وعوامل قد تؤدي لتطوير السلوك الجنسي القهري:
ويجب التنويه على أن هذه الأسباب والعوامل لا ينبغي دائما أن تكون موجودة في البداية حتى يصاب شخص ما بإدمان العادة السريّة. قد يبدأ الإدمان من الاستمتاع الشديد بالإشباع الذاتي الذي يؤدي تدريجياً إلى تغييرات في مسارات الدماغ، واختلال في المواد الكيميائية في الدماغ، ومشاكل وحالات أخرى، بالتالي تصبح هي النتائج.
لا توجد علاقة واضحة بين العادة السريّة والاكتئاب. أفضت بعض الدراسات إلى أن النشاط الجنسي، بما في ذلك العادة السريّة، قد يكون له تأثير مؤقت في تحسين الحالة المزاجية ويمكن أن يساعد في تخفيف أعراض الاكتئاب، بينما لم يجد البعض الآخر مثل هذا التأثير، بل قرن العادة السريّة بزيادة في خطورة مرض الاكتئاب ووطأته.
لكن في جميع الحالات، أثبتت الدراسات أن العادة السريّة لا تسبب الاكتئاب بشكل مباشر ومن الطبيعي تمامًا أيضًا أن يشعر الفرد بالعديد من المشاعر، بما في ذلك الحزن، بعد أي نشاط جنسي بسبب كون النشوة تجربة بالغة الحسّية على عكس الحياة العادية. لكن هذه المشاعر غالبًا ما تكون مؤقتة، وعادة ما تستمر فقط من خمس دقائق إلى ساعتين، ولا تعني أنك تعاني من اكتئاب أو مرض نفسي.
لكن، مع ذلك، من المهم ملاحظة أن العادة السريّة المفرطة أو القهرية يمكن أن تتداخل مع الأنشطة والعلاقات اليومية ويمكن أن تؤدي إلى شعور الفرد بالذنب والعار وتدهور اعتباره لذاته، مما قد يكون عاملا من عوامل الاكتئاب. من ناحية أخرى، يمكن أن يتسبب الاكتئاب بدوره في زوال الرغبة الجنسية وانخفاض القدرة على الشعور بالمتعة، بما في ذلك أثناء ممارسة النشاط الجنسي.
بشكل عام، من المهم أن يكون لدى الفرد علاقة صحية مع السلوك الجنسي وأن ينخرط في النشاط الجنسي بطريقة مسؤولة ولا تتعارض مع الصحة النفسية والجسدية أو الحياة اليومية. أما إذا كنت تعاني من أعراض مستمرة للاكتئاب أو الضيق المتعلق بسلوكك الجنسي، فقد يكون من المفيد التحدث مع أخصائي في الصحة النفسية.
إليك بعض النصائح لمساعدتك على ترك العادة السريّة:
ومن المهم تذكر أن العادة السريّة المفرطة أو القهرية هي حالة يمكن علاجها، ومن خلال السعي الحثيث والموارد المناسبة، من الممكن التغلب عليها في نهاية المطاف.
وإذا كنت تعتقد أن لديك إدمانًا على العادة السريّة، فقد يكون من المفيد طلب المساعدة المتخصّصة. فيما يلي بعض الخطوات التي يمكنك اتخاذها لمعالجة المشكلة قبل تفاقم ضررها:
والأهم أن تتذكر أن التغلب على أي إدمان يمكن أن يكون عملية طويلة وصعبة، وأن طلب المساعدة من أخصائي الصحة النفسية هو علامة على القوة وليس الضعف.
قد يجد بعض الأفراد في أنفسهم القدرة على التوقف نسبيا عن ممارسة العادة السريّة القهرية بشكل تلقائي ومن قرارة أنفسهم. لكن مع ذلك، قد يحتاج آخرون إلى الدعم والمساعدة المتخصّصة لإكمال مشوارهم بنجاح.
ولا يوجد دواء محدد لإدمان العادة السريّة، كغيره من الاضطرابات الجنسية الأخرى كإدمان الجنس أو إدمان مشاهدة الأفلام الإباحيّة، ولكن هناك علاجات يمكن أن تكون فعالة في معالجة المشكلات النفسية والعاطفية الكامنة التي قد تسهم في السلوك الجنسي القهري.
العلاج السلوكي المعرفي هو نوع من العلاج بالكلام ويمكن أن يكون مفيدًا في علاج السلوك الجنسي القهري. يمكن أن يساعد العلاج السلوكي المعرفي الأفراد على تحديد أنماط التفكير خاصتهم والسلوكيات السلبية المتعلقة بعاداتهم الجنسية وتغييرها نحو الأفضل. قد تشمل الموضوعات الشائعة التي قد تطرأ أثناء العلاج من أجل الحد من الممارسة القهرية للعادة السرية ما يلي:
في بعض الحالات، يمكن أيضًا وصف الأدوية والعقارات مثل مضادات الاكتئاب أو الأدوية المكافحة للقلق للمساعدة في تنظيم الحالة المزاجية وتقليل أعراض القلق أو الاكتئاب التي قد تسهم في الإفراط في ممارسة العادة السريّة.
من المهم ملاحظة أنه لا يوجد نهج واحد يناسب الجميع لعلاج السلوك الجنسي القهري، وسيعتمد أفضل مسار للعلاج على الفرد ومشاكله الأساسية وأن جميع المهنيين الصحيين يمارسون السرية التامة، ولن يتم إخراج أي شيء تتحدث عنه أنت ومعالجك إلى العموم.
يمكن أن يختلف عدد المرات أو طول المدة التي يقوم فيها شخص ما بالاستمناء أو بممارسة العادة السرّية بشكل كبير عن الآخر. ومجرد أنك قد تنخرط في إمتاع نفسك بشكل متكرر أكثر من غيرك لا يعني أنه هناك داع للقلق. بالنسبة لبعض الأشخاص الذين يعارضون العادة السريّة أخلاقياً أو دينياً، فإن الانخراط في العادة السريّة يمكن أن يسبب الخجل والاشمئزاز من الذات، مما يمكن أن يجعل الأمر يبدو كما لو أن أي قدر من العادة السريّة هو أكثر من اللازم حتى لو حدثت فقط من حين لآخر. لكن مجرد كون إدمان العادة السريّة حالة غير قابلة للتشخيص سريريًا، لا يعني أنه ليس حقيقة لمن يعانون منه. إذا كنت قلقًا من أن يصبح تكرار ممارسة العادة السريّة لديك أو دوافعه مشكلة، فاعلم أنك لست وحدك، وأن هناك خيارات متاحة للجميع يمكن أن تساعدك في التغلب عليها. والغرض ليس تركها نهائيا بل الاعتدال في ممارستها بشكل يضمن لك الفوائد الصحّية دون تعريضك للأخطار.
0