العلاقات
31 ديسمبر 2023
من وجهة نظر فلسفية ونفسية، يعتقد ألان دو بوتان، أن نظرتنا للزواج يجب أن تتغير لتأخذ بعين الاعتبار أبعاد جديدة، بهدف عيش تجربة زواج سعيد.
(تمت ترجمة النص كاملا كما كتب. في موضوع الخيانة الزوجية، الكاتب يتحدث من وجهة نظر نفسية للإنسان دون إصباغها بصورة ثقافية أو دينية)
كان الأمر يتوقف على تحقيق بعض الأهداف المالية والاجتماعية: أن تمتلك بيتا باسمك، تحصل على مجموعة من الشواهد، بضع رؤوس أبقار وقطعة أرض في ملكيتك.
لكن تحت تأثير الأيديولوجية الرومانسية، أصبح ينظر لهذا النوع من الزواج على أنه جشع ومادي، لينتقل التركيز بذلك نحو المشاعر. لقد أصبح يُعتقد أن الشعور الصحيح أمر مهم للغاية. فأصبح هذا هو الإشارة المثالية لزواج جيد. وتتضمن المشاعر الصحيحة شعورا بأن الآخر هو “الشخص المناسب”، بأنكما تفهمان بعضكما بشكل مثالي وبأنكما لن تفكرا مطلقا في خيانة شريككم مع شخص آخر أبدا.
هذه الفكرة، رغم أنها مؤثرة، أثبتت كونها وصفة أكيدة لفسخ الزواج في النهاية – وسببت الخراب في الحياة العاطفية لملايين الأزواج الذين كان من المفترض أن يكونوا عاقلين وطيبين.
وكبديل لهذين النوعين، فيما يلي نقترح مجموعة مبادئ مختلفة تماما، ذات طابع كلاسيكي أكثر، والتي تبين متى يمكن لشخصين أن يعتبرا نفسهما مستعدين للزواج بشكل جيد.
نكون مستعدين للزواج ..
1-عندما نتخلى عن المثالية
لا يجب علينا فقط تقبل أن الشخص الذي نتزوجه بعيد كل البعد عن الكمال، بشكل عام. بل علينا أن نفهم خصوصيات أوجه النقص فيه: كيف سيكون مزعجا، صعبا في التعامل، أحيانا غير منطقي، وفي الغالب غير قادر على التعاطف معنا أو فهمنا. عهود الزواج يجب أن تعاد صياغتها لتتضمن هذا السطر الوجيز: ‘أقبل أن أتزوج هذا الشخص بالرغم من أنه، بشكل مستمر، سيقودني إلى الجنون.’
ومع ذلك، لا ينبغي أن تفسر هذه العيوب على أنها مجرد تَمثل لمشكلة خاصة. لا أحد آخر سيكون أفضل. كلنا بهذا السوء. نحن أنواع نحمل نواقص. أيا كان من نكون معه سيكون غير كامل جذريا على نحو كبير. يجب التخلص من فكرة أن الأمور ستكون مثالية مع أي مخلوق في هذه المجرة. لا يمكن إلا أن يكون هناك فقط زواج ‘جيد بما يكفي’.
من أجل فهم هذه الحقيقة، سيساعد على أن يكون للشخص بعض العلاقات قبل الزواج، ليس من أجل فرصة العثور على ‘الشخص المناسب’، لكن لتكون للشخص فرصة كبيرة، بشكل مباشر وفي سياقات مختلفة، لاكتشاف حقيقة أن الجميع ( حتى أكثر الاحتمالات إثارة في البداية) سيكونون نوعا ما غير مناسبين كلما اقتربنا منهم أكثر.
2-عندما نيأس من أن يتم فهمنا
الحب يبتدئ بتجربة أن يتم فهمنا بشكل عميق واستثنائي. إنهم يفهمون تلك الأجزاء الوحيدة منك؛ ليس عليك أن تشرح لم تجد نكتة ما مضحكة؛ تكرهون نفس الأشخاص؛ يريدون أيضا تجربة سيناريو علاقة حميمة معينة.
هذا الأمر لن يطول. عهد زواج آخر يجب أن يكون كالتالي: ‘مهما كان مستوى فهم الآخر لي، ستكون هناك دوما مساحات واسعة من روحي ستظل غير مفهومة له، لأي شخص آخر وحتى لي أنا.’
لا ينبغي لنا، بالتالي، اتهام شريكنا بالتقصير في أحد الواجبات عندما يفشل في تأويل و فهم عالمنا الداخلي. ولا يعني هذا أنه غير كفؤ. هو فقط لم يستطع فهم ماضينا واحتياجاتنا – الشيء الذي يعتبر عاديا تماما. لا أحد يفهم بشكل صحيح، ويمكن أن يتعاطف بشكل كامل مع، أي أحد آخر.
3-عندما ندرك أننا مجانين
هذا الأمر غير مفهوم بالمرة. نبدو أشخاصا عاديين وفي الغالب جيدين.
إنهم الآخرون…
لكن النضج ينبني على إحساس متجدد بحماقة الشخص. قد يكون الشخص خارجا عن السيطرة لفترات طويلة، يفشل في تجاوز ماضيه، يخطط بشكل غير مجد، يقلق بشكل دائم. قد يكون، أقل ما يقال عنه، أحمقا.
إذا لم نكن نتحرج من ذواتنا عادة وبشكل كبير، فهذا فقط لأنه لدينا ذاكرة انتقائية خطيرة.
4-عندما نكون مستعدين لأن نحِب أكثر من أن نحَب
نتحدث عن ‘الحب’ كأنه شيء واحد، بدل التمييز بين نوعين مختلفين تماما واللذان يقعان تحت نفس المسمى: أن نحَب وأن نحِب. ينبغي أن نتزوج عندما نكون مستعدين للقيام بالأخير ومدركين لرغبتنا اللاطبيعية والغير ناضجة في الأول.
“أن نُحَب” هو أول ما نبدأ بالتعرف عليه. ويصبح الأمر – بشكل خاطئ جدا – وكأنه قاعدة. بالنسبة للطفل، يبدو الأمر وكأن الأب/الأم مستعد بشكل تلقائي ليهدّئ، يرشد، يُسلي، يطعم، ينظف ويظل دائما حنونا ومبتهجا. الأبوان لا يكشفان عن عدد المرات التي منعوا أنفسهم من الكلام، قاوموا الدموع وكانوا متعبين جدا لدرجة عدم القدرة على تغيير ملابسهم بعد يوم من رعاية الأطفال. العلاقة ليست عكسية على الإطلاق. الأبوان يحبان؛ لكنهم لا يتوقعون أن يرد لهم الجميل بأي طريقة تذكر. الأب/الأم لا ينزعج عندما لا يلاحظ الطفل قصة الشعر الجديدة، يطرح أسئلة دقيقة عن اجتماع العمل أو يقترح أن يأخذوا قيلولة. الأب/الأم والطفل قد “يحبان” معا، لكن كل واحد منهما يقف في نهاية مختلفة من المحور، غير معروفة بالنسبة للطفل.
لذلك في سن الرشد، عندما نقول أننا نتوق للحب، ما نقصده في الغالب هو أننا نريد أن نحَب كما كنا نحَب من طرف أب/أم. نريد في سن الرشد إعادة خلق شعور أن نكون مدللين. في جزء مخفي من أذهاننا، نتخيل شخصا سيفهم احتياجاتنا، يحقق لنا ما نريده، يكون صبورا وعطوفا معنا إلى حد كبير، يتصرف بتفان ويصلح كل شيء.
هذا – بلا شك – كارثة. من أجل نجاح علاقة زواج، علينا أن نغادر جديا موقع الطفل – إلى موقع الأب/الأم. علينا أن نتحول إلى شخص يكون على استعداد لتأخير مطالبه واهتماماته لصالح احتياجات شخص آخر.
هناك درس آخر لنتعلمه. عندما يقول طفل لأحد أبويه ‘أنا أكرهك’، الأب/الأم لا يتصرف تلقائيا تحت تأثير الصدمة أو يهدد بمغادرة البيت دون عودة، لأن الأب/الأم يعلم أن الطفل لا يعطي خلاصة بحث مدروس بعناية وبتأن حول طبيعة العلاقة. الأسباب خلف هذه الكلمات قد تكون الشعور بالجوع، فقد قطعة مهمة من لعبة ‘الليغو’، حقيقة أنهم كانوا في حفلة ليلة البارحة، أنه لم يسمح لهم بلعب لعبة فيديو، أو أنهم يشعرون بألم الأذن…
الأبوان يصبحان جيدين في عدم الإصغاء للكلمات الصريحة والاستماع عوض ذلك لما يقصده الطفل والذي لا يعرف بعد كيف يصوغه: ‘أنا وحيد، خائف أو متألم’ – إنها حاجة للمساعدة تظهر بشكل غير عادل كنوبة ضد أكثر شيء آمن، لطيف، يمكن الاعتماد عليه في عالم الطفل:ألا وهو الأب/الأم.
نجد من الصعب حقا القيام بهذه الخطوة مع شركائنا: الإصغاء لما يقصدونه حقا، بدل الاستجابة (بغضب) لما يقولونه.
عهد ثالث ينبغي أن يكون كالتالي: ‘متى ما كانت لدي القوة، سأقلد أولئك الذين أحبوني وأهتم بشريكي كما كانوا يهتمون بي. المهمة ليست عملا روتينيا غير عادل أو تخل عن طبيعة الحب. هذا هو النوع الوحيد من الحب الذي يستحق هذه الكلمة السامية.’
5-عندما نكون مستعدين لمهمة التدبير
الشخص الرومانسي يرى الزواج من منظور المشاعر. لكن ما يتوصل إليه الزوجان من خلال حياتهما معا يشبه كثيرا كيفية اشتغال مشروع صغير. يجب عليهم إعداد قوائم العمل، التنظيف، قيادة السيارة، الطبخ، التصليح، الاهتمام، التوظيف، الطرد من العمل، التنازل ووضع ميزانية.
لا تحمل أي من هذه الأنشطة أي سحر أو بريق على الأقل في الشكل الحالي للمجتمع. أولئك الذين يجبرون على القيام بهذه الأعمال هم الأكثر تعرضا للاستياء منها والشعور بأن خطأ ما وقع في حياتهم ليجبروا على إقحام أنفسهم فيها. ومع ذلك فهذه الأعمال هي الأكثر ‘رومانسية’ حقا من حيث أنها ‘تساعد الحب وتحافظ عليه” وينبغي أن تفسرعلى أنها حجر الأساس لزواج ناجح، وتُمنح كل الشرف والتقييم الممنوح حاليا لأنشطة أخرى في المجتمع، كتسلق الجبال أو رياضة الدراجات النارية.
عهد محوري ينبغي أن يكون : ‘أقبل أهمية أعمال البيت.’
6-عندما نفهم أن الجنس والحب ينتميان ولا ينتميان لبعضهما
المنظور الرومانسي يتوقع أن يكون الحب والجنس متوازيان. لكن في الحقيقة، لن يبقيا على هذا النحو أكثر من بضعة أشهر أو، على أبعد تقدير، سنة أو سنتين. وهذا ليس خطأ أي كان. لأن الزواج لديه شواغل رئيسية أخرى (صداقة، إدارة، جيل آخر)، الجنس سيعاني. نكون مستعدين للزواج عندما نتقبل درجة كبيرة من ‘الاستقالة و القيام بعملية ‘التسامي’ (أي تحويل طاقة الدافع الغريزي للقيام بأعمال ذات قيمة اجتماعية أو ثقافية).
ب على كلا الطرفين تجنب جعل الزواج ‘حول الجنس’. يجب عليهم كذلك، منذ البداية، التخطيط لأكثر التحديات التي ستظهر لديهم، حسب الإحصائيات: أن أحدهما قد يخون الآخر. يكون الشخص مستعدا للزواج عندما يكون مستعدا للتصرف بنضج حول الخيانة أو التعرض للخيانة.
المنظور غير الناضج للخيانة هو كالتالي: الجنس لا يجب أن يكون جزءا من الحب. يمكن أن يكون سريعا ودون معنى، كلعب التنس. الشخصان لا ينبغي أن يحاولا تملك جسدي بعضهما. إنه فقط قليل من المرح. لذلك الشريك لا ينبغي أن يمانع في ذلك.
لكن هذا عناد لتجاهل أساسيات الطبيعة البشرية الغير قابلة للنقاش. لا أحد يمكن أن يكون ضحية للخيانة الزوجية دون أن يشعر أنه نظر إليه على كونه ناقصا بالأساس وأنه جرح في صميم وجوده. لن يتجاوز الأمر أبدا. بالطبع، هذا لا معنى له، لكن ليس هذا هو المقصد. العديد من الأشياء عنا لا معنى لها – ومع ذلك يجب احترامها. الخائن يجب أن يكون مستعدا ليحترم ويسامح قدرة شريكه على الغيرة القوية، كما يجب عليه أن يقاوم بقوة رغبته في معاشرة أشخاص آخرين، وإن فعل أن يأخذ كل احتياط ممكن لألا يصل الأمر لشريكه وأن يتجاوب بلطف وصبر بالغين إذا ظهرت الحقيقة. ينبغي عليهم فوق كل ذلك ألا يحاولوا إقناع شريكهم أنه لا ينبغي أن يشعر بالغيرة أو أن الغيرة ليست طبيعية أو أنها ‘سيئة’ وغير مفيدة.
في الجهة الأخرى من المعادلة، ينبغي على الشخص أن يعد نفسه للتعرض للخيانة. بمعنى، يجب على الشخص بذل جهد مضن لمحاولة فهم ما يمكن أن يدور في ذهن الشريك أثناء خيانة زوجهم مع شخص آخر. من المرجح أن يفكر الشخص في أنه لا يوجد تفسير آخرلخيانة شريكه له غير أنهم يحاولون عن عمد إذلاله وأن حبهم له كله قد تبخر. الحقيقة الأكثر ترجيحا – وهي أن الشريك فقط يريد أن يحصل على المزيد، أو شيء مختلف – تكون صعبة التقبل صعوبة تعلم اللغة الصينية أوتعلم اللعب بالمزمار وتستلزم الكثير من التدريب.
يكون الشخص مستعدا للزواج عندما يتوفر أمران صعبان جدا: استعداد الشخص ليؤمن بقدرة شريكه الأصيلة/الحقيقية لفصل الحب والجنس. وفي نفس الوقت، يكون مستعدا ليؤمن بعدم قدرة شريكه الكاملة لجعل الحب والجنس متباعدين.
يجب أن يكون الشريكان قادرين على إتقان هذين العملان البطوليان معا، لأنهم – على مدى حياتهما معا – قد يُدعيان لإثبات القدرتين معا. هذا – عوض عهد عدم معاشرة شخص آخر – يجب أن يكون أهم اختبار للزواج.
7-عندما نكون سعداء ليتم تعليمنا وهادئين لنُعلِّم
نكون مستعدين للزواج عندما نتقبل أنه في بعض المجالات، شريكنا سيكون أكثر حكمة، أكثر عقلانية وأكثر نضجا منا. ينبغي علينا أن نرغب في التعلم منهم. ينبغي أن نتحمل وجود أشياء يجب توضيحها لنا. ينبغي علينا، في أمور أساسية، النظر إليهم على أنهم الأستاذ ونحن الطلاب. في نفس الوقت، ينبغي علينا أن نكون مستعدين لتولي مهمة تدريسهم بعض الأشياء وكالأساتذة الجيدين، لا نصرخ، لا نفقد أعصابنا أو نتوقع منهم أن يعرفوا ببساطة. الزواج ينبغي أن يعرف على أنه سيرورة من التعليم المتبادل.
8-عندما ندرك أننا لسنا متوافقين إلى ذاك الحد
المنظور الرومانسي للزواج يؤكد أن الشخص ‘المناسب’ هو شخص يشاركنا أذواقنا، اهتماماتنا ومواقفنا عن الحياة بشكل عام. قد يكون هذا صحيحا على المدى القصير. لكن، على المدى الطويل، تتلاشى أهمية هذا الأمر بشكل كبير: لأن الاختلافات تظهر لا محالة. الشخص الملائم لنا حقا ليس الذي يشاركنا أذواقنا، لكن الشخص الذي يمكن أن يناقش اختلافات الذوق بذكاء وحكمة.
بدلا من فكرة نظرية عن التكامل المثالي، القدرة على تقبل الاختلاف هي المؤشر الحقيقي للشخص “المناسب”. التوافق هو تحصيل للحب؛ لا يجب أن يكون شرطا مسبقا له.
خاتمة
لقد تقبلنا أن حضور بعض الدورات التكوينية قبل إنجاب الأطفال هي فكرة جيدة جدا. هذا الآن هو المعمول به لدى كل الأشخاص المثقفين في جميع الدول المتقدمة.
لكن ليس هناك بعد تقبل واسع لفكرة حضور دورات تكوينية قبل الزواج. والنتائج من حولنا واضحة.
لقد حان الوقت للتخلي عن المنظور الرومانسي للزواج والمبني على الحدس وتعلم تطبيق/تدريب الزواج كتعلم التزلج أو لعب الكمان، أنشطة ليست أكثر تعقيدا وليست أكثر أحقية بفترات منهجية للتعليم.
الآن، في حين يتم وضع البنيات التحتية للعهود الجديدة وللدورات التكوينية، نستحق جميعا تعاطفا يفوق الوصف من أجل معاناتنا. نحن نحاول القيام بشيء صعب جدا دون أقل مستويات الدعم الضروري. ليس غريبا، إن واجهنا المشاكل مرارا.
المصدر: The Book of Life
الصورة: Pixabay
0