الصحة النفسية
31 ديسمبر 2023
كل منا لديه فكرة عما نظن أنه شخص سليم نفسيًّا. ليس معنى ألا يكون مكتئبًا أو قلقًا، أنه لا يعاني، أو لا يُشخص باعتباره حالة مرضية. ربما يكون سعيدًا، أو ببساطة أن يكون قادرًا على عيش حياة طيبة.
كل هذه الأشياء تعتبر مهمة ويجب إيلاؤها المكانة التي تستحق، بالطبع. لكن ما هي العوامل المميزة التي تجعل الشخص سليمًا نفسيًّا؟
هنا بعض أهم هذه العوامل والتي يصعب أن يفكر فيها أي شخص.
هل هو شخص جيد أم سيء؟ هل أعجبك الفيلم أم لا؟ هل أنت موهوب، نعم أم لا؟ من على حق، أنت أم أنا؟ هذا الميول الذهنية لوضع الأشياء في ضدين بهدف الاستقرار على رأي واضح ينطبق على كل جوانب حياتنا. لكنها تظهر بقوة بالخصوص عندما يتعلق الأمر بالأسئلة الشخصية، كسؤال كيف نرى أنفسنا؟ مثلا، كيف نرى طفولتنا؟، وكيف نحكم على الآخرين؟
القدرة على رؤية المناطق الرمادية هي مهارة لا يملكها كل الناس، بالتأكيد. لكننا هنا نتحدث عن خطوة أبعد من ذلك. القدرة على قول، «نحن معًا على صواب، ونحن معًا على خطأ أيضًا» أثناء خلاف مع شخص آخر. القدرة على التوصل، في أي موقف كان، إلى نتيجة مفادها «هذا جيد جدًا وسيء جدا» «هذا الشخص ذو نوايا حسنة ويحتمل أن يكون مؤذيا»، «أحبك وأكرهك في نفس الوقت»، «والداي منحاني الكثير، لكنهما فشلا بشكل مريع أيضًا في تربيتي»، كل هذا صحيح.
الأضداد تسير جنبًا إلى جنب أكثر بكثير مما يدركه معظم الناس. وإذا كنت قادرًا على حمل وجهتي النظر المتضادتين في ذهنك معًا في نفس الوقت، فإنه يمنحك نظرة من فوق، أكثر دقة وواقعية من الأجوبة أحادية البعد، سواء عن نفسك، عن شخص أو عن موقف ما.
ضبط مشاعرك شيء، والتواصل شيء آخر. كل منهما مهارة يصعب إتقانها. ضعهما معًا، وسيكون لديك تحد كبير. القدرة على ضبط الغضب أو الألم الذي تشعر به حتى تتمكن من شرح ما تشعر به لشخص آخر؛ القدرة على ضبط غضبك بهدف التعبير عن المشكل بطريقة يمكن أن يسمعك فيها شخص آخر. هذان مثالان عن صحة نفسية جيدة.
كل شخص يعرف نفسه. لكن السؤال هو، إلى أي مدى؟ هل تفهم استجاباتك الطبيعية للأشياء؟ هل أنت واع بما تشعر به، ولِمَ تشعر به؟ ما هي نقط قوتك ونقط ضعفك؟ مواهبك؟ ما هي الأشياء التي تحبها والتي لا تحبها؟ ما هي احتياجاتك، وبم تستمتع؟ كلما فهمت نفسك بشكل أفضل، أصبحت أكثر قوة ومرونة في المواقف الصعبة، سامحت نفسك على أخطائك أكثر، واتخذت قرارات أفضل لك في الحياة.
هذا يتضمن أن تكون سعيدًا فقط لكونك على حقيقتك. فكر في الأمر وكأنك تقضي وقتًا مع نفسك، بسعادة وارتياح. هل يمكنك أن تجلس وحيدًا دون وسائل ترفيه وتكون مرتاحًا؟ هل يمكنك أن تكون حاضرًا في اللحظة الآن، وألا تفكر في المستقبل، في الماضي، أو في شيء أو شخص ما؟ هل أنت قادر على الجلوس مع شعور معين (تسمح للشعور بالمرور وتعترف به)، تتقبل هذا الشعور، وتحاول فهمه؟ هذه كلها أمثلة على الشعور بالرضى عن نفسك.
القدرة على التوسع، ليس فقط داخل منطقة أمانك ولكن خارجها، تتطلب قوة ومرونة كبيرتين. هل ترغب في الخروج عن المألوف؟ هل يمكنك الاعتماد على نفسك لتدبير فشل ما، إن حدث؟ هل تعرف نفسك جيدًا لدرجة معرفة ما الذي يستحق أن تخاطر من أجله؟ هل يمكنك أن تغفر لنفسك إذا لم تنجح؟ القوة المطلوبة لتخاطر بالفشل، وأن تتحمل هذا الفشل، هي قوة هائلة في الحقيقة.
إذا كانت قراءة هذه الميزات مخيفة إلى حد ما بالنسبة لك، لا تقلق. قليل من الناس من يمتلك كل الصفات الخمس. في الحقيقة، معظمنا سيبلي جيدًا لو سعى ببساطة لاكتساب كل منها.
عندما تتخلى عن بعض ارتباطك بأن تكون على حق، تفتح بذلك [على نفسك] عالمًا جديدًا كاملاَ؛ عالما من الرؤية الشمولية التي هي جزء مهم من بلوغك الحكمة. تتجاوز عقلية الصح/الخطأ، وتبدأ في رؤية نفسك والآخرين بشكل مختلف. القدرة على رؤية الأضداد، الحقائق الأكبر، تجعل من السهل عليك أن تفهم مشاعرك، (والتي في الغالب ما تناقض بعضها البعض) وأن تفهم الآخرين. إنها تقوي قدرتك على ملاحظة وفهم نفسك.
الوعي/الحضور، أو القدرة على عيش اللحظة، مع توجيه انتباهك لذاتك، أي لما تفعله -وأضيف- وما تشعر به، هي جزء رئيسي من الوعي الذاتي ومن الشعور بالرضى عن الذات. لقد أظهرت دراسات علمية أن لممارسة الوعي فوائد على الصحة النفسية والجسدية.
الفشل علامة على الشجاعة. الفشل يعني أنك دفعت نفسك خارج منطقة أمانك وخضت بعض المخاطر. ويمكن أن يصبح تجربة نمو عندما يتم بشكل جيد. يمكن أن نتعلم من تجارب فشلنا أكثر مما نتعلم من نجاحاتنا.
كلما أصبحت أكثر إدراكا للذات، أكثر حضورا، أكثر تعبيرا عن مشاعرك، وتشعر برضى أكبر عن نفسك، ستصبح أكثر حرية لخوض المخاطر والتعلم منها. هذا سيدفعك في نهاية المطاف لتجارب ونجاحات أبعد مما كنت تظن أنك قادر على تحقيقه.
الكاتب: Dr. Jonice Webb
المترجم: sehanafsia.com
نشر المقال المترجم لأول مرة في منصة sasapost
0