التعاطف الذاتي
31 ديسمبر 2023
نعلم كم هو مؤذ أن نخاطب أنفسنا بعبارات مثل: ‘أنا غبي!’ ‘أنا مثير للإشمئزاز.’ ‘لن يحبني أحد أبدا.’ ‘كم أنا أحمق.’
لم نفعل هذا إذا؟ بمجرد أن نسأل أنفسنا هذا السؤال،عادة ما نزيد من نقد الذات. ‘أنا شخص سيء، حتى اتجاه نفسي.’ ‘لهذا أنا مجرد فاشل، أنا أحتقر نفسي دوما.’
لا تجلد ذاتك على جلدك لذاتك على أمل وهمي بأن هذا قد يساعدك بطريقة ما للتوقف عن جلدك لذاتك. بدل ذلك، خذ خطوة للوراء، وأعط نقدك الداخلي استراحة. نقدك الداخلي في الحقيقة يحاول إبقاءك في مأمن، بطريقته الغير فعالة والعكسية.
بصفتنا بشرا، لدينا نظامي أمان رئيسيين تطورا تدريجيا. النظام الأقدم والسريع الاستجابة هو نظام التهديد والدفاع، والذي يشمل اللوزة الدماغية (Amygdala). عندما نشعر بالخطر، استجابتنا تكون عادة إما مواجهة، هروب، سكون عن الحركة (تجمد) أو استسلام (أو ما يسمى نظرية الكر والفر—fight-or-flight response): فإما أن نلتف ونحارب الخطر، نهرب بسرعة البرق بعيدا عن الخطر، نتظاهر بالموت على أمل أن يذهب الخطر،أو نظهر بطوننا ونأمل استرضاء الخطر.
هذه الاستراتيجيات ناجحة جدا بالنسبة للحيوانات التي تعيش في البرية، لتساعدهم على البقاء على قيد الحياة وتنتقل عبر جيناتهم. بالنسبة للبشر، فهذه الاستجابات غالبا ما تزيد الوضع سوءا. هذا لأن التهديد الذي نواجه في الغالب هو تهديد لمفهومنا لذاتنا. لا نميز بين أفكارنا وتمثلاتنا عن أنفسنا وبين ذواتنا الحقيقية، ما يعني أنه عندما تكون صورتنا الذاتية محاصرة، نتصرف وكأن وجودنا بحد ذاته في خطر. عندما يحصل هذا، نظامنا للتهديد والدفاع يستخدم نفس الاستراتيجيات ليبقى آمنا:
المواجهة — نجلد ذواتنا عاطفيا، باستعمال لغة قاسية لنحطم أنفسنا.
الهروب — نصبح قلقين وغير مرتاحين، نهرب من أنفسنا عبر فقد القدرة على الإحساس أو استعمال بعض الملهيات كالأكل أو الكحول.
سكون عن الحركة (تجمد) — نعلق في الاجترار، نفكر في عيوبنا مرة تلو الأخرى.
الاستسلام — نعترف بأننا رديئون، ونتقبل كل النقد القاسي الذي نرمي به أنفسنا.
في كثير من الأحيان، ننساق في مزيج من كل هذه الاستراتيجيات. مستوى توترنا يرتفع بتزامن مع تنشيط اللوزة الدماغية للجهاز العصبي الودي (sympathetic nervous system) (والذي يثيرنا حتى نستطيع التعامل مع المخاطر) ويغمر نظامنا بالأدرينالين والكورتيزول. وهو سلاح ذو حدين، لأننا كلما انتقدنا أنفسنا، نكون عندئذ المهاجِم والمهاجَم في نفس الوقت. هذا النوع من التوتر المتكرر يمكن أن يقود للقلق والاكتئاب، ويضعف صحتنا الجسدية والنفسية.
مع ذلك، من المهم أن نتذكر أنه عندما يهاجمنا نقدنا الذاتي، في الأصل هو يحاول أن يمنع عنا الخطر. Marshal Rosenberg، مؤلف كتاب Non-Violent Communication (التواصل غير العنيف)، يقول أن نقد الذات هو ‘تعبير تراجيدي عن حاجة لم تتم تلبيتها.’ إنه تراجيدي لأن نقد الذات يجعلنا نشعر بشكل فظيع ولا يحفزنا على القيام بتغيير فعال. لكن إن نظرنا عن قرب — نقدنا الذاتي يهتم لأمرنا.
هناك نوع من الحاجة للأمان يحاول النقد الذاتي تحقيقها. نقدنا الذاتي يريدنا أن نكون سعداء، لكنه لا يعرف طريقة أفضل للعمل على ذلك. لنقل أنك تنتقد نفسك على عدم ذهابك لصالة الرياضة، وتنعت نفسك ب’الكسول’. على مستوى معين، نقدك الداخلي يتصرف انطلاقا من قلقه عليك، فإنت إن لم تذهب لصالة الرياضة لن تكون في صحة جيدة، أو أنه سيتم رفضك من قبل الآخرين. يمكننا أن نكون لطفاء ومتعاطفين مع هذا الجزء من ذواتنا، لأنه في مستوى معين هو يريد مصلحتنا فقط. وصدق أولا تصدق، عبر تعاطفنا مع نقدنا الداخلي، نحن ننتقل من نظام التهديد والدفاع إلى نظام أماننا الآخر.
كباقي الثدييات، نحن أيضا طورنا نظام التعلق/الإنتماء كاستراتيجية بقاء. الثدييات لديها قدرة فطرية لتهدأ عن طريق الدفء والعطف، ما يعني احتمال بقاء صغارنا قرب مقدمي الرعاية، حصولهم على الحماية، و بقاؤهم على قيد الحياة. نظام تقديم الرعاية يعطل الجهاز العصبي الودي (مما يخفض مستوى الكورتيزول) وينشط الجهاز العصبي اللاودي Parasympathetic nervous system، والذي يقوم بتهدئتنا.
هذا الطريق للأمان العاطفي فعال أكثر — يخفض مستوى توترنا وقلقنا بدلا من تفاقمه. ويمنحنا التوازن العاطفي اللازم لاتخاذ قرارات حكيمة، بما في ذلك تغييرات سلوكية إذا لزم الأمر.
في المرة القادمة التي تجد نفسك فيها في مرمى نقد ذاتي قاس، بدل جلد نفسك على جلد نفسك، اشكر نقدك الداخلي على مجهوداته، ثم جرب استراتيجية منح نفسك بعض التعاطف عوض ذلك. هذا سيكون أكثر فعالية، وأقل إيلاما بكثير!
الكاتبة: Dr. Kristin Neff
الصورة: Geralt
0